Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 255-255)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الله لا إله إلا هو } في الوجود ، فكلّ ما عبد دونه لم تقع العبادة إلا له ، علِمَ أو لم يعلم ، إذ لا معبود ولا موجود سواه { الحيّ } الذي حياته عين ذاته ، وكلّ ما هو حيّ لم يحيى إلا بحياته { القيوم } الذي يقوم بنفسه ويقوم كلّ ما يقوم به . فلولا قيامه ما قام شيء في الوجود { لا تَأخُذه } غفوة ونعاس ، كما يعتري الأحياء من غير قصدهم . فإنّ ذلك لا يكون إلا لمن حياته عارضة ، فتغلبه الطبيعة بالحالة الذاتية طلباً للهدوء والراحة والإبدال عن تحليل اليقظة . فأمّا من حياته عين ذاته ، فلا يمكن له ذلك . وبين كون حياته غير عارضة بقوله { ولا نَوْم } فإنّ النوم ينافي كون الحياة ذاتية ، لأنه أشبه شيء بالموت . ولهذا قيل : النوم أخو الموت . ومن لا نوم له لذاته ، لمنافاته كون الحياة غير ذاته ، فلا سنة له ، إذ السنة من مقدّماته وآثاره كما تقول : ليس له ضحك ولا تعجب ، وقوله : { لا تأخذه سنة ولا نوم } بيان لقيوميته { له ما في السموات وما في الأرض } نواصيهم بيده ، يفعل بهم ما يشاء . { من ذا الذي يشْفَع عنده إلاّ بإذْنِه } إذ كلهم له وبه يتكلم من يتكلم به وبكلامه ، فكيف يتكلم بغير إذنه وإرادته { يَعْلَم } ما قبلهم وما بعدهم ، فكيف بهم وبحالهم . أي : علمه شامل للأزمنة والأشخاص والأحوال كلها ، فيعلم المستحق للشفاعة ، وغير المستحق لها { ولا يُحِيطونَ بشيءٍ من عِلْمه إلاّ بما شَاء } أي : بما اقتضت مشيئته أن يعلمهم ، فعلم كلّ ذي علم شيء من علمه ظهر على ذلك المظهر ، كما قالت الملائكة : { لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا } [ البقرة ، الآية : 32 ] . { وسِع كُرسيه السموات والأرض } أي : علمه ، إذ الكرسيّ مكان العلم الذي هو القلب . كما قال أبو يزيد البسطامي رحمة الله عليه : لو وقع العالم وما فيه ألف ألف مرّة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحسّ به لغاية سعته . ولهذا قال الحسن : كرسيه : عرشه ، مأخوذ من قوله عليه السلام : " قلب المؤمن من عرش الله " والكرسي في اللغة : عرش صغير لا يفضل عن مقعد القاعد ، شُبه القلب به تصويراً وتخييلاً لعظمته وسعته . وأما العرش المجيد الأكبر فهو الروح الأول وصورتهما ومثالهما في الشاهد الفلك الأعظم ، والثامن المحيط بالسموات السبع وما فيهنّ { ولا يؤده } أي : ولا يثقله { حِفظهما } لأنهما غير موجودين بدونه ليثقله حملهما ، بل العالم المعنوي كله باطنه والصوريّ ظاهره ، فلا وجود لهما إلا به وليسا غيره . { وهو العليّ } الشأن الذي لا يعلوه شيء وهو يعلو كل شيء ، ويقهره بالفناء { العَظيم } الذي لا يتصوّر كنه عظمته ، وكل عظمة تتصور لشيء فهي رشحة من عظمته ، وكل عظيم فبنصيب من عظمته وحصة منها عظيمة . فالعظمة مطلقاً له دون غيره ، بل كلها له ، ليس لغيره فيها نصيب . وهي أعظم آية في القرآن لعظم مدلولها .