Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 259-259)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أو كالذي مرّ على قرية } أي : أرأيت مثل الذي مرّ على قرية باد أهلها ، وسقطت سقوفها ، وخرّت جدرانها عليها ، فتعجب من إحيائها لكونه طالباً سالكاً لم يصل إلى مقام اليقين بعد ، ولم يستعد لقبول نور تجلّي اسم المحيي - والمشهور أنه كان عُزَيْر - { فأمَاتَه الله } أي : فأبقاه على موت الجهل . كما قال : { أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْن } [ غافر ، الآية : 11 ] على قول ، وقال تعالى : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ } [ البقرة ، الآية : 28 ] . { مائةَ عَام } يمكن أن يكون العام في عهدهم كان مبنياً على دور القمر ، فيكون ثمانية أعوام وأربعة أشهر ، وأن يكون مبنياً على فصول السنة فيكون خمسة وعشرين سنة ، وأن تكون أعمارهم في ذلك الزمان كانت طويلة { ثم بَعَثه } بالحياة الحقيقية وطلب منه الوقوف على مدّة اللبث فما ظنها إلا يوماً أو بعض يوم ، استصغارًا لمدة اللبث في موت الجهل المنقضية بالنسبة إلى الحياة الأبدية ولعدم شعوره بمرور المدة كالنائم الغافل عن الزمان ومروره . ثم لما تفكّر نبّهه الله تعالى على طول مدة الجهل وموت الغفلة ، بأنه مائة عام ، أو أماته بالموت الإراديّ في إحدى المدد المذكورة ، فتكون المدة زمان رياضته وسلوكه ومجاهدته في سبيل الله ، أو أماته حتف أنفه بالموت الطبيعي فتعلق روحه ببدن آخر من جنسه لاكتساب الكمال إما بعد زمان وإما في الحال حتى مرّ عليه إحدى المدد الثلاث المذكورة ، وهو لا يطلع على حاله فيها ، ولم يشعر بمبدئه ومعاده وكان ميتاً ثمّ بالحياة الحقيقية فاطلع بنور العلم على حاله وعرف مبدأه ومعاده . وقوله : { لبثْت يوماً أو بَعض يَوم } كقوله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَار } [ يونس ، الآية : 45 ] ، وقوله تعالى : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [ النازعات ، الآية : 46 ] ، وقوله : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَة } [ الروم ، الآية : 55 ] كل ذلك لغفلتهم عن مرور الزمان وكذا مفارق أخاً أو مصاحباً أو شيئاً آخر إذا أدرك الوصال بعد طول مدة الفراق كأن تلك المدة حينئذ لم تكن ، إذ لا يحس بها بعد مضيها وإن قاساها قبل الوصال { وانظر إلى طَعَامك وشَرَابك لم يَتَسنه } قيل : طعامه التين والعنب ، وشرابه الخمر واللبن . فالتين إشارة إلى المدركات الكلية لكونه لباً كله ، وكون الجزئيات فيها بالقوة ، كالحبات التي في التين ، والعنب إشارة إلى الجزئيات لبقاء اللواحق الماديّة معها في الإدراك كالثجير والعجم . واللبن إشارة إلى العلم النافع كالشرائع . والخمر إشارة إلى العشق والإرادة وعلوم المعارف والحقائق . لم يتسنه أي : لم يتغير عما كان في الأزل بحسب الفطرة مودعاً فيك ، فإن العلوم مخزونة في كل نفس بحسب استعدادها ، كما قال عليه السلام : " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " فإن حجبت بالموادّ وخفيت مدّة بالتقلّب في البرازخ وظلماتها ، لم تبطل ولم تتغير عن حالها . حتى إذا رُفِعَ الحجاب بصفاء القلب ظهرت كما كانت ، ولهذا قال عليه السلام : " الحكمة ضالّة المؤمن " . { وانْظُر إلى حِمَارك } أي : بدنك بحاله على الوجه الأول والثاني ، وكيف نخرت عظامه وبليت على الوجه الثالث { ولنجعلك آية للناس } أي : ولنجعلك دليلاً للناس على البعث ، بعثناك { وانْظُر إلى العِظَام كيفَ ننشزها } أي : نرفعها { ثمّ نَكْسوها لَحْماً } على كلا الوجهين ظاهر ، فإنه إذا بعث وعلم حاله وتجرّده عن البدن على تركيب بدنه برفع العظام وجمعها وكسوتها لحماً { فلما تَبَين له } ذلك البعث والنشور { قال أعلم أنّ الله على كلّ شيء قَدِير } .