Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 13-14)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قد كان لكم آية } يا معشر السالكين دالة على كمالكم وبلوغكم إلى التوحيد { في فئتين التقتا فئة } القوى الروحانية الذين هم أهل الله وجنوده { تقاتل في سبيل الله وأخرى } هي جنود النفس وأعوان الشياطين محجوبة عن الحقّ . ترى الفئة الأولى ، مع قلّة عددهم ، مثليهم عند التقائهما في معركة البدن لتأييد الفئة الأولى بنور الله وتوفيقه وخذلان الفئة الثانية وذلهم وعجزهم وضعفهم وانقطاعهم عن عالم الأيد والقدرة . فغلبت الأولى الثانية وقهروهم بتأييد الله ونصره ، وصرفوا أموالهم التي هي مدركاتهم ومعلوماتهم في سبيل معرفة الله وتوحيده { والله يؤيد بنصره من يشاء } من أهل عنايته المستعدّين للقائه { إنّ في ذلك لَعِبرة } أي : اعتباراً أو أمراً يُعْتبر به في الوصول إلى الحقيقة للمستبصرين الذين انفتحت أعين بصائرهم واكتحلت بنور الإيقان العلميّ من أهل الطريقة يعتبرون به أحوالهم في النهاية . { زُين للناس حبّ الشهوات } لأن الإنسان مركب من العالم العلويّ والسفليّ ، ومن نشأته وولادته تحجبت فطرته وخمدت نار غريزته وانطفأ نور بصيرته بالغشاوات الطبيعية والغواشي البدنية ، والماء الأجاج من الذّات الحسيّة ، والرياح العواصف من الشهوات الحيوانية ، فبقي مهجوراً من الحق في أوطان الغربة وديار الظلمة يسار به ، مبلوّاً بأنواع النصب والتعب ، فإذا هو بشعشعة نور من التميز ولمعان برق من عالم العقل ، وداعٍ ينادينه من الهوى والشيطان ، فتبعه فصادف منزلاً نزهاً ، وروضة أنيقة ، فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، فاستوطنه وشكر سعيه ورضيه مسكناً وقال : @ عند الصباح يَحْمد القوم السري والداعي قد هيئ له القرى @@ فذلك حبّ الشهوات ، أي : المشتهيات المذكورة وتزيينها له وهو تمتيع له بحسب ما فيه من العالم السفليّ ، وكمال لحياته حجب به من تمتيع الحياة الأخرى وكمالها ، بحسب ما فيه من العالم العلوي ، ولم يتنبه على أنها أبهى وألذّ وأصفى مع ذلك وأبقى ، وهو معنى قوله : { والله عنده حُسْن المآب } .