Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 143-144)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه } الآية ، كل موقن إذا لم يكن يقينه ملكة بل كان خطرات ، فهو في بعض أحواله يتمنى أموراً ويدعي أحوالاً بحسب نفسه دائماً ، وكذلك حال غير اليقين وعند إقبال القلب هو صادق ما دام موصوفاً بحاله . أما في غير تلك الحالة ، وعند الإدبار ، فلا يبقى من ذلك أثر وكذا كل من لم يشاهد حالاً ولم يمارسه ، ربما يتمناه لتصوّره في نفسه وعدم تضرّره به حال التصور . أما في حال وقوعه وابتلائه فلا يطيق تحمل شدائده كما حكي عن سمنون المحبّ رحمه الله لما قال في أبياته : @ فكيفما شئت فاختبرني @@ فابتلي بالأسر ، فلم يطق ، فكان يتردّد في الطرق ويرضخ إلى الصبيان ما يلعبون به كالجوز ، ويقول : ادعوا على عمكم الكذاب . وفي هذا المعنى قال الشاعر : @ وإذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا @@ فلا يلتفت بحال إلا إذا صار مقاماً ، ولا يعتبر مقاماً إلا إذا امتحن في مواطنه ، فإذا خلص من الامتحان فقد صح وهذا أحد فوائد مداولة الأيام بينهم ليتمرّنوا بالموت ويتقوّى يقينهم ويتوفر صبرهم ويتحقق مقامهم بالمشاهدة كما قال : { فقد رأيتموه } من قتل إخوانكم بين أيديكم { وأنتم } تشاهدون ذلك . وفيه توبيخ لهم على أنّ يقينهم كان حالاً لا مقاماً ، ففشلوا في الموطن . { وما محمد إلا رسول } أي : إنه رسول بشر ، سيموت أو يقتل كحال الأنبياء قبله ، فمن كان على يقين من دينه فبصيرة من ربّه لا يرتد بموت الرسول وقتله ، ولا يفتر عما كان عليه ، لأنه يجاهد لربّه لا للرسول كأصحاب الأنبياء السالفين . وكما قال أنس عم أنس بن مالك يوم أُحد حين أُرجف بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاع الخبر ، وانهزم المسلمون ، وبلغ إليه تقاول بعضهم : ليت فلاناً يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان . وقول المنافقين : لو كان نبيّاً ما قُتِلَ ! ، يا قوم ، إن كان محمد قد قُتِل فإنّ ربّ محمد حيّ لا يموت ! ، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله ؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه ، وموتوا على ما مات عليه . ثم قال : اللهمّ إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء . ثم شدّ بسيفه وقاتل حتى قُتِل . { ومن يَنْقلب على عَقبيه فلن يضرّ الله شيئاً } إنما ضرّ نفسه بنفاقه وضعف يقينه { وسيجزي الله الشاكرين } لنعمة الإسلام ، كأنس بن النضر وأضرابه من الموقنين .