Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 37-41)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الذين يَبْخلون } أولاً بإمساك كمالاتهم وعلومهم في مكامن قرائحهم ومطامير غرائزهم ، لا يظهرونها بالعمل بها في وقتها ثم بالامتناع عن توفير حقوق ذوي الحقوق عليهم ، لا يبذلون صفاتهم وذواتهم بالفناء في الله لمحبتهم لها ، ولا ينفقون أموال علومهم وأخلاقهم وكمالاتهم على ما ذكرنا من المستحقين . { ويَأْمرُونَ الناس بِالبخل } يحملونهم على مثل حالهم { ويَكْتمونَ ما آتاهُم الله منْ فَضْله } من التوحيد والمعارف والأخلاق والحقائق في كتم الاستعداد وظلمة القوة كأنها معدومة { وأعْتَدنا لِلْكافِرين } المحجوبين عن الحق { عَذاباً مهينَاً } في ذلّ وجوههم وشين صفاتهم . { والذينَ ينفِقُون أموالهم رئَاء الناس } أي : يبرزون كمالاتهم من كتم العدم ، ويخرجونها إلى الفعل ، محجوبين برؤيتها لأنفسهم ، يراؤون الناس بأنها لهم { ولا يُؤْمِنون بالله } الإيمان الحقيقي ، فيعلمون أن الكمال المطلق ليس إلا له ، ومن أين لغيره وجود حتى يكون له ؟ فيتخلصون عن حجاب رؤية الكمال لأنفسهم ، وينجون عن إثم العجب . { ولا باليومِ الآخرِ } أي : الفناء في الله والبروز للواحد القهّار ، فيتبرؤون من ذنب الشرك ، وذلك لمقارنة شيطان الوهم إياهم { ومن يَكن الشيطان له قَريناً فَسَاء قَريناً } لأنه يضلّه عن الهدى ، ويحجبه عن الحقّ { وماذا عليهم لو آمنوا بالله } أي : لو صدّقوا الله بالتوحيد والفناء فيه ، ومحو كمالاتهم التي رزقهم الله بإضافتها إلى الله ؟ { وكان الله بهم عليماً } يجازيهم بالبقاء بعد الفناء ، وكونهم مع تلك الصفات والكمالات بالله لا بأنفسهم . { إنّ الله لا يَظْلم } أي : لا ينقص من تلك الكمالات بالفناء فيه { مِثْقال ذرّة } بل يضاعفها بالتأييد الحقانيّ { وإن تكُ حسَنَة يُضَاعفها } ولا تكون حسَنة إلا إذا كانت له { ويُؤْت من لدُنهُ أجراً عظيماً } هو ما أخفي له من قرّة أعين ، أي : الشهود الذاتي الذي لا حجبة معه عن تفاصيل الصفات . { فكيف إذا جِئْنَا مِن كل أمّة بِشَهِيدٍ } إلى آخره ، الشهيد والشاهد : ما يحضر كلّ أحد مما بلغه من الدرجة في العرفان ، وهو الغالب عليه ، فهو يكشف عن حاله وعمله وسعيه ومبلغ جهده مقاماً كان أو صفة من صفات الحق أو ذاتاً ، فلكل أمّة شهيد بحسب ما دعاهم إليه نبيهم وعرّفه لهم وما دعاهم إلا إلى ما وصل إليه من مقامه في المعرفة ، ولا يبعث نبيّ إلا بحسب استعداد أمّته فهم يعرفون الله بنور استعدادهم في صورة كمال نبيّهم . ولهذا ورد في الحديث : إن الله يتجلى لعباده في صورة معتقدهم ، فيعرفه كلّ واحد من الملل والمذاهب ، ثم يتحوّل عن تلك الصورة ، فيبرز في صورة أخرى فلا يعرفه إلاّ الموحدون الداخلون في حضرة الأحدية من كل باب . وكما أنّ لكل أمّة شهيداً ، فكذلك لكل اهل مذهب شهيد ، ولكل واحد شهيد يكشف عن حال مشهوده ، وأما المحمّديون فشهيدهم الله المحبوب الموصوف بجميع الصفات لمكان كمال نبيهم وكونه حبيباً مؤتى جوامع الكلم ، متمماً لمكارم الأخلاق ، فلا جرم يعرفونه عند التحوّل في جميع الصور إذا تابعوا نبيهم حق المتابعة ، وكانوا أوحديين محبوبين كنبيهم .