Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 13-14)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { ولقد أهلكنا القرونَ من قبلكم } يا أهل مكة ، { لمَّا ظلمُوا } بالكفر وتكذيب الرسل ، { وجاءتهم رسلُهم بالبينات } : بالمعجزات الواضحات ، الدالة على صدقهم ، { وما كانوا ليؤمنوا } أي : ما استقام لهم أن يُؤمنوا ، لما سبق لهم من الشقاء ولفساد استعدادهم ، أو ما كانوا ليؤمنوا بعد أن هلكوا لفوات محله ، { كذلك } أي : مثل ذلك الجزاء وهو إهلاكهم بسبب تكذيبهم الرسل وإصرارهم عليه ، بحيث تحقق أنه لا فائدة في إمهالهم { نجزي القوم المجرمين } أي : نجزي كل مجرم ، أو نجزيهم ، ووضع المظهر موضع المضمر للدلالة على كمال جرمهم ، وأنهم أعلام فيه . قال البيضاوي . { ثم جعلناكم } يا أمة محمد { خلائف في الأرض من بعدِهم } من بعد إهلاكهم ، فقد استخلفناكم فيها بعد القرون التي أهلكناها ، استخلاف من يختَبرُ { لننظُرَ } أي : لنظهر ما سبق به العلم ، فيتبين في الوجود ، { كيف تعملون } ، أخيراً أم شراً ؟ فنعاملكم على مقتضى أعمالكم . وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " إنما جعلنا خلفاً لينظر كيف عملنا ، فأروا الله حسن أعمالكم في السر والعلانية " وكان أيضاً يقول : " قد استخلفتَ يا ابن الخطاب ، فانظر كيف تعمل " . الإشارة : ما هلك من هلك إلا لإخلاله بالشرائع أو بالحقائق ، فالشرائع ، صيانة للأشباح ، والحقائق صيانة للأرواح ، فمن قام بالشرائع كما ينبغي صان نفسه من الآفات الدنيوية والأخروية ، ومن قام بالحقائق على ما ينبغي ، صان روحَه من الجهل بالله في هذه الدار ، وفي تلك الدار ومن قام بهما معاً صان جسمه وروحه ، وكان من المقربين ، ومن قام بالشرائع دون الحقائق صان جسمه وترك روحه معذَّبةً في هذه الدار بالخواطر والوساوس والأوهام ، وفي تلك الدار بالبعد والمقام مع العوام . ومن قام بالحقائق دون الشرائع فإن كان دعوى عُذب جسمه وروحه لزندقته ، وإن كان حقاً عذب جسمه هنا بالقتل ، كما فُعل بالحلاج ، والتحق بالمقربين في تلك الدار . ويقال لأهل كل عصر : ولقد أهلكنا القرون من قبلكم بالبُعد وغم الحجاب ، لما ظلموا بالوقوف مع الحظوظ والشهوات ، وجاءتهم رسلهم التي توصلهم إلى ربهم وهم أولياء زمانهم الآيات الواضحة على صدقهم ، ولو لم يكن إلا هداية الخلق على يديهم فأنكروهم ، وما كانوا ليؤمنوا بهم لِمَا سبق لهم من البُعد ، ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم ، لننظر كيف تعملون مع شيوخ التربية في زمانكم ، هل تنكرونهم أو تقرونهم ، والله تعالى أعلم . ثم ذكر حال أهل الإنكار ، فقال : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } .