Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 15-16)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { وإذا تُتلى عليهم } يعني كفار قريش { آياتُنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا } من المشركين { ائْتِ بقرآن غيرِ هذا } أي : بكتاب آخر ليس فيه ما نستبعده من البعث والحساب ، والعقاب بعد الموت ، أو ما ذكره من سب آلهتنا ، وعيب ديننا ، أو اجعل هذا الكلام الذي من قِبَلك على اختيارنا ، فأحل ما حرمته ، وحرم ما أحللته ليكون أمرنا واحداً وكلمتنا متصلة ، { أوبدِّلْه } بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية أخرى . { قل } لهم يا محمد : { ما يكون } : ما يصح { لي أن أبدِّله من تلقاء نفسي } : من قِبل نفسي ، وإنما اكتفى بالجواب المذكور عن التبديل لاستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن آخر ، قل لهم : { إنْ } أي : ما { أتبعُ إلا ما يوحى إليَّ } ، لا أقدر أن أقول شيئاً من عندي . قال البيضاوي : هو تعليل لما يكون ، فإن المتبع لغيره في أمر لم يستبد بالتصرف فيه بوجه ، وجواب للنقض بنسخ بعض الآيات لبعض ، ورد لما عَرّضوا له بهذا السؤال من أن القرآن كلامه واختراعُه ، ولذلك قيد التبديل في الجواب وسماه عصياناً فقال : { إني أخاف إن عصيتُ ربي عذاب يوم عظيم } يوم القيامة ، وفيه إيماء بأنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح . هـ . { قل لو شاءَ اللهُ ما } أرسلني إليكم ، ولا { تلوتُه عليكم ولا أدْرَاكم } أي : أعلمكم { به } على لساني . وفي قراءة ابن كثير : ولأدراكم ، بلام التأكيد ، أي : لو شاء الله ما تلوته عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري . والمعنى أنه الحق لا شك فيه ، لو لم أُرْسَل به أنا لأرسل به غيري . وحاصل المعنى : أن الأمر بمشيئة الله لا بمشيئتي ، حتى أجعله على نحو ما تشتهون . ثم قرر ذلك بقوله : { فقدْ لبثتُ فيكم عُمُراً } منذ أربعين سنة { مِن قبله } أي : من قبل نزول هذا القرآن ، لا أتلوه ولا أعلم منه شيئاً ، وفيه إشارة إلى القرآن معجز خارق للعادة ، فأن من عاش بين أظهرهم أربعين سنة لم يدرس فيها علماً ، ولا يشاهد عالِماً ، ولم ينشد قريضاً أي : شعراً ولا خطبة ، ثم قرأ عليهم كتاباً أعجزت فصاحتُه كل منطيق ، وفاق كل منظوم ومنثور ، واحتوى على قواعد عِلْمي الأصول والفروع ، وأعرب عن أَقاصيص الأولين وأحاديث الآخرين على ما هي عليه ، عُلم انه معلم به من عند الله . قاله البيضاوي . فكل من له عقل سليم أدرك حقِّيته ، ولذلك قرعهم بقوله : { أفلا تعقلون } أي : أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر ، فتعلموا أنه ليس من طوْق البشر ، بل هو من عند الحكيم العليم الواحد القهار . الإشارة : إذا ظهر أهل التربية الداعون إلى الله بطريق صعبة على النفوس ، يُسيرون الناس عليها ، كخرق العوائد وتخريب الظواهر والتجريد ، قال من لا يرجو الوصول إلى الله لغلبة الهوى عليه : ائتونا بطريق غير هذا لنتبعكم عليه ، يكون سهلاً على النفوس ، موافقاً لعوائدنا ، أو بدلوا هذا بطريق أسهل ، وأما هذا الذي أتيتم به ، فلا نقدر عليه ، وربما رموه بالبدعة ، فيقولون لهم : ما يكون لنا أن نبدله من تلقاء أنفسنا ، إن نتبع إلا ما سلك عليه أشياخنا وأشياخهم ، فما ربَّوْنا به نُربّي به من تبعنا ، فإن خالفنا طريقهم خفنا من عقاب الله ، حيث غششنا من اتبعنا ، ولقد مكثنا معكم قبل صحبة أشياخنا سنين ، فلم تروا علينا شيئاً من ذلك حتى صحبناهم ، فدل ذلك على أنه موروث عن أشياخهم وأشياخ أشياخهم ، أفلا تعقلون ؟ . ثم سجل الظلم على من كذَب أو كذّب ، فقال : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } .