Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 36-36)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { وما يتبع } أكثر المشركين في اعتقادهم { إلا ظَنّاً } مستنداً إلى خيالات فارغة وأقيسة فاسدة ، كقياس الغائب على الشاهد ، والخالق على المخلوق ، بأدنى مشاركة موهوبة . والمراد بالأكثر الجميع ، أو من ينتسب منهم إلى تمييز ونظر ، ولم يرضى بالتقليد الصرف ، { إن الظن لا يغنى من الحق } من علم التحقيق { شيئاً } ، أو { من } الاعتقاد { الحق شيئاً } من الإغناء . قال البيضاوي : وفيه دليل على أن تحصيل العلم في الأصول واجب ، وأن الاكتفاء بالتقليد والظن غير جائز . هـ . وعدم الاكتفاء بالظن إنما هو في الأصول ، وأما الفروع فالظن فيها كاف . { إن الله عليم بما يفعلون } هذا وعيد لهم على اتباعهم الظن ، وإعراضهم عن النظر والاستدلال ، وعلى عدم اتباعهم من يدلهم على الحق . والله تعالى أعلم . الإشارة : الناس على قسمين : أهل تصديق وإيمان ، وأهل شهود وعيان . فأهل التصديق والإيمان هم عامة أهل اليمين ، وهم أكثر المسلمين من العلماء الصالحين ، يستندون في معرفتهم بالله إلى الدليل والبرهان ، فتارة يقوى عندهم الدليل فيترقَّون عن اتباع الظن إلى الجزم والتصميم ، وتارة يضعف فيرجعون إلى اتباع الظن الراجح . وأما أهل الشهود والعيان ، فقد غابت عنهم الأكوان في شهود المكوّن ، فصاروا يستدلون بالله على وجود غيره ، فلا يجدونه ، حتى قال بعضهم : لو كُلفت أن أرى غيره لم أستطع فإنه لا غير معه حتى اشهده ، محال أن تشهده وتشهد معه سواه . وقال شاعرهم : @ مذْ عَرَفتُ الإِله لَم أَرَ غَيراً وَكَذَا الغَيرُ عِندَنَا مَمنُوعُ مُذ تَجَمَّعَتُ ما خَشِيتُ افتراقاً فَأَنا اليَومَ وَاصِلٌ مَجمُوعُ @@ وقال آخر : @ عجبتُ لِمْنَ يَنبَغي عَلَيكَ شَهَادَةً وَأَنتَ الَّذي أَشهَدتُه كُلَّ شَاهِد @@ وقال في الحكم : " شتان بين من يستدل به أو يستدل عليه ، المستدل به عرف الحق لأهله ، فأثبت الأمر من وجود أصله ، والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه ، وإلا … فمتى غاب حتى يستدل عليه ، ومتى بَعُدَ حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه ! " . ولا مطمع لأحد في التطهير من الظنون والأوهام إلا بصحبة شيخ كامل عارف بالله ، فيلقي إليه نفسه ، فلا يزال يسير به ، حتى يقول له : ها أنت وربك ، فحينئذٍ ترتفع عنه الشكوك والظنون والأوهام ، ويبلغ في مشاهدة الحق إلى عين اليقين وحق اليقين . وأما قول الجنيد رضي الله عنه : أدركت سبعين صديقاً ، كلهم يعبدون الله على الظن والوهم ، حتى الشيخ أبا يزيد ، ولو أدرك صبياً من صبياننا لأسلم على يديه . فقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : معنى كلامه : أنهم ظنوا وتوهموا أنهم بلغوا إلى مقام النهاية ، بحيث لا مقام فوق ذلك ، ولو أدرك أحدهُم صبيَّاً لنبههم على أن ما فاتهم أكثر مما أدركوا ولانقادوا له . هـ . بالمعنى . والله تعالى أعلم . ولما ذكر أن اتباع الظن غير كاف ، ذكر ما يجب اتباعه وهو القرآن ، فقال : { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ } .