Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 37-40)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " تصديق " : مصدر ، والعامل فيه " كان " محذوفة ، أو " أنزل " ، و " لا ريب " : خبر ثالث لها ، و " من رب العالمين " : خبر آخر ، أي : كائناً من رب العالمين ، أو متعلق بتصديق أو بتفصيل ، و " لا ريب " : اعتراض ، أو بالفعل المعلل بهما وهو " نزل " ويجوز أن يكون حالاً من " الكتاب " ، أو من الضمير في " فيه " ، : و " أم " : منقطعة بمعنى بل مع الاستفهام الإنكاري ، و " كيف " خبر كان . يقول الحق جل جلاله : { وما كان هذا القرآنُ أن يفترى من دون الله } أي : صح له أن يفترى من الخلق ، إذ لا قدرة له على ذلك ، { ولكن } كان { تصديقَ الذي بين يديه } من الكتب ، أو : ولكن أنزله تصديقاً لما سلف قبله من الكتب الإلهية ، المشهود على صدقها لأنه مطابق لها ، فلا يكون كذباً ، كيف وهو لكونه معجزاً عيار عليها ، شاهد على صحتها ؟ { وتفصيلَ الكتاب } أي : وأنزله تفصيلَ ما حقق وأثبت من العقائد والشرائع ، التي تضمنها الكتاب ، { لا ريبَ فيه } : لا ينبغي أن يرتاب فيه لما احتفّت به من شواهد الحق ، وارتياب الكفار فيه كلا ريب . كائناً { من رب العالمين } ، أول نزل منه . { أم } : بل { يقولون افتراه } محمد من عند نفسه ؟ { قل فأتُوا } أنتم { بسورةٍ مثله } في البلاغة وحسن النظم ، وجودة المعنى ، فإنكم مثلي في العربية والفصاحة ، { وادعوا من استطعتم } : مَنْ قدرتم عليه من الجن والإنس ، يُعينكم على ذلك ، { من دون الله } فإنه وحده قادر على ذلك ، { إن كنتم صادقين } أنه مفترىً . { بل كذّبوا } أي : سارعوا إلى التكذيب { بما لم يُحيطُوا بعلمه } وهو القرآن ، بحيث لم يستمعوه ، ولم يتدبروا آياته ويحيطوا بالعلم بشأنه ، حتى يعلموا أحق هو أم لا ، أو بما جهلوه ولم يحيطوا به علماً ، من ذكر البعث والجزاء ، وسائر ما يخالف دينهم ، { ولمَّا يأتهم تأويلُهُ } أي : ولم يقفوا بعدُ على تأويله ، ولم تبلغ أذهانهم معانيه ، أو لم يأتهم بعدُ تأويلُ ما فيه من الإخبار بالغيوب ، حتى يتبين لهم أنه صدق أو كذب ، والمعنى : أن القرآن معجز من جهة اللفظ والمعنى ، ثم إنهم فاجئوا تكذيبه قبل أن يتدبروا نظمه ، ويتصفحوا معناه . ومعنى التَّوقع في { لمَّا } : أنه قد ظهر بالآخرة إعجازه لمّا كرر عليهم التحدَّي فزادوا أذْهانهم في معارضته فتضاءلت دونها ، أو لمّا شاهدوا وقوع ما أخبر به طبق ما أخبر مراراً فلم يقلعوا عن التكذيب تمرداً وعناداً . قاله البيضاوي . قال ابن جزي : لمَّا يأتهم ما فيه من الوعيد لهم ، أي : وسيأتيهم يوم القيامة أو قبله . { كذلك كذَّب الذين من قبلهم } أنبياءهم ، { فانظر كيف كان عاقبةُ الظالمين } ، فيه وعيد لهم بمثل ما عوقب به من قبلهم . { ومنهم } من المكذبين { من يؤمن به } أي : يصدق به في نفسه ويعلم أنه حق ولكن يعاند ، أو مَن يؤمن به ويتوب عن كفره ، { ومنهم من لا يؤمن به } في نفسه لفرط غباوته وقلة تدبره ، أو لا يؤمن فيما يستقبل فيموت على كفره ، { وربك أعلم بالمفسدين } : بالمعاندين أو المصرين . الإشارة : إذا تطهرت القلوب من الأغيار ، وتصفّتْ من الأكدار ، أوحى إليها بدقائق العلوم والأسرار ، وما كان لتلك العلوم أن تُفترى من دون الله ولكن تكون تصديقاً لما قبلها من علوم القوم وأسرارها ، التي يهبها الله لأوليائه ، وفيها تفصيل طريق السير ، وما أوجبه الله على المريدين من الآداب ، وشروط المعاملة ، فمن طعن في ذلك فليأت بشيء من ذلك من عند نفسه ، ويستعنْ على ذلك بأبناء جنسه ، بل كذَّب بما لم يُحط به علمُه ، ولم يبلغه عقلُه وفهمُه ، فإن كشفت عند الله الحقائق ظهر تأويل ما ينطق به أهل الحقائق ، ومن الناس من يؤمن بهذه الأسرار ، ومنهم من لا يؤمن بها ويطعن على أهلها ، حتى ربما رموهم بالزندقة لأجلها ، وربك أعلم بالمفسدين . ثم أمر نبيه بالبراءة ممن كذبه ، فقال : { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } .