Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 41-44)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " من " الموصولة لفظها مفرد ، معناها واقع على الجمع أو غيره ، فإن عاد الضمير عليها جاز فيه مراعاة المعنى ومراعاة اللفظ ، فقوله : { ومنهم من يستمعون } راعى جانب المعنى ، وقوله : { ومنهم من ينتظر } راعى جانب اللفظ ، فإن راعى أولاً اللفظ جاز أن يرجع إلى مراعاة المعنى ، كقوله : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ } [ محمد : 16 ] وأما إن راعى أولاً المعنى فلا يرجع إلى مراعاة اللفظ ، لأن مراعاة المعنى أقوى . أنظر الإتقان . يقول الحق جل جلاله : { وإن كذبوك } كذبك قومك بعد إلزام الحجة لهم { فقل } لهم : { لي عملي ولكم عملكم } أي : فتبرأ منهم وقل لهم : لي جزاء عملي ، ولكم جزاء عملكم ، حقاً كان أو باطلاً ، { أنتم بريئون مما أعملُ وأنا بريء مما تعملون } ، لا تؤاخذهم بعملي ، ولا أُؤاخذ بعملكم ، ولأجل ما فيه من إيهام الإعراض عنهم وتخلية سبيلهم قيل : إنه منسوخ بآية السيف . { ومنهم من يستمعون إليك } إذا قرأت القرآن ، أو علمت الشرائع ، ولكن لا يقبلون ، كالأصم الذي لا يسمع أصلاً ، { أفأنتَ تُسمع الصُّمَّ } تقدر على إسماعهم { ولو كانوا لا يعقلون } أي : ولو انضم إلى صممهم فَقْدُ عقولهم ، فهو احرى في عدم الاستماع . قال البيضاوي : وفيه تنبيه على أن حقيقة استماع الكلام هو فهم المعنى المقصود منه ، ولذلك لا توصف به أي : بالاستماع البهائم ، وهو لا يتأتى إلا باستعمال العقل وتدبره . وعقولهم لما كانت مؤوفة أي : قاصرة بمعارضة الوهم ومشايعة الإلف والتقليد بعدت أفهامهم عن فهم الحِكَم والمعاني الدقيقة ، فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما ينتفع به البهائم من كلام الناعق . هـ . { ومنهم من ينظر إليك } أي : يعاينون دلائل نبوتك ، ولكن لا يصدقون ، كأنهم عمي عنها ، { أفأنت تهدي العُمْيَ } : تقدر على هدايتهم { ولو كانوا لا يُبصرون } أي : وإن انضم إلى عدم البصرَ عدم البصيرة ، فإن المقصود من الإبصار هو الاعتبار والاستبصار ، والعمدة في ذلك البصيرة ، فإذا فقدت فلا اعتبار ولا استبصار ، ولذلك يُحدس الأعمى المتبصر ، ويتفطن لما لا يدركه البصير الأحمق . والآية كالتعليل للأمر بالتبري . { إن الله لا يظلم الناسَ شيئاً } بسلب حواسهم وعقولهم ، { ولكن الناس أنفسَهم يظلمون } بإفسادهم وإهمالها ، وتفويت منافعها عليهم . وفيه دليل على أن للعبد كسباً ، وأنه ليس مسلوب الاختيار بالكلية ، كما زعمت الجبرية ، ويجوز ان يكون وعيداً لهم ، بمعنى : أن ما يحيق يوم القيامة من العذاب عدل من الله ، لا يظلمهم به ، ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف أسبابه . قاله البيضاوي . الإشارة : إذا رأى أهل الوعظ والتذكير قوماً غرقوا في بحر الهوى ، وأخذتهم شبكة الدنيا واستتحوذت عليهم الغفلة ، فذكروهم وبذلوا جهدهم في نصحهم ، فلم يقلعوا ، فليتبرؤوا منهم ، وليقولوا : نحن براءٌ مما تعملون ، وأنتم بريئون مما نعمل . ومنهم من يستمع إلى وعظك أيها الواعظ ، ولكن لا يتعظ ، أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون . ومنهم من يشاهد كرامتك وخصوصيتك ولكن لا يهتدي ، فأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ؟ { إن الله لا يظلم الناس شيئاً } ، بل في كل زمان يبعث من يذكر ويُدَاوي أمراض القلوب ، { ولكن الناس أنفسهم يظلمون } ، حيث حادوا عنهم ، وأساؤوا الظن بهم ، وبالله التوفيق . ثم ذكر وقت مجيء تأويل ما كذبوا به ، فقال : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً } .