Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 5-8)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " ضياء " : مفعول ثان ، أي : ذات ضياء ، وهو مصدر كقيام ، أو جمع ضوء كسياط ، والياء منقلبة عن الواو ، وفي رواية عن ابن كثير بهمزتين في كل القرآن على القلب ، بتقديم اللام على العين ، والضمير في " قدره " للشمس والقمر ، كقوله : { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 26 ] ، أو للقمر فقط . يقول الحق جل جلاله : { هو الذي جعل الشمس ضياء } أي : ذات ضوء وإشراق أصلي ، { والقمرَ نوراً } أي : ذا نور عارض ، مقتبس من نور الشمس عند مقابلته إياها ، ولذلك يزيد نوره وينقص ، فقد نبه سبحانه بذلك على أنه خلق الشمس نيرة في ذاتها ، والقمر نوراً بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها ، فالنور أعم من الضياء ، والضياء أعظم من النور . { وقدَّره منازلَ } أي : قدر سير كل واحد منهما منازل ، أو القمر فقط ، وخصصه بالذكر لسرعة سيره ، ومعاينة منازله ، وإناطة أحكام الشرع به . ولذلك علله بقوله : { لتعلموا عددَ السنينَ والحسابَ } أي : حساب الأوقات من الأشهر والأيام والليالي في معاملتكم وتصرفاتكم : { ما خلق اللَّهُ ذلك } الذي تقدم من أنواع المخلوقات { إلا بالحق } أي : ملتبساً بالحق ، مراعياً فيه مقتضى الحكمة البالغة ، لا عبثاً عارياً عن الحكمة ، أو ما خلق ذلك إلا ليُعرف فيها ، فما نُصب الكائنات لتراها ، بل لترى فيها مولاها . وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : الحق الذي خلق الله به كل شيء كلمة " كن " . قال سبحانه : { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ } [ الأنعام : 73 ] . هـ . وهو بعيد هنا . { نُفَصِّلُ الآياتِ لقوم يعلمون } فإنهم المنتفعون بالنظر فيها والاعتبار بها . ثم بيَّن وجه الاعتبار فقال : { إن في اختلاف الليل والنهار } أي : تعاقبهما بالذهاب والمجيء ، أو بالزيادة والنقصان ، { وما خلق اللهُ في السموات والأرض } من أنواع الكائنات وضروب المخلوقات ، { لآياتٍ } دالة على وجود الصانع ووحدته ، وكمال علمه وقدرته ، { لقوم يتقون } الله ، ويخشون العواقب ، فإن ذلك يحملهم على التفكر والتدبر ، بخلاف المنهمكين في الغفلة والمعاصي ، الذين أشار إليهم بقوله : { إن الذين لا يرجون لقاءَنا } أي : لا يتوقعونه ، أو : لا يخافون بأسه لإنكارهم البعث ، وذهولهم بالمحسوسات عما وراءها ، { ورَضُوا بالحياة الدنيا } : قنعوا بها بدلاً من الآخرة لغفلتهم عنها ، { واطمأنوا بها } أي : سكنوا إليها مقْصرين هممهم على لذائذها وزخارفها ، وسكنوا فيها سكون من يظن أنه لا ينزعج عنها . { والذين هم عن آياتنا } المتقدمة الدالة على كمال قدرتنا ، { غافلون } : لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون لانهماكهم في الغفلة والذنوب . قال البيضاوي : والعطف إما لتغاير الوصفين ، والتنبيه على أن الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأساً ، والانهماك في الشهوات ، بحيث لا تخطر الآخرة ببالهم أصلاً ، وإما لتغاير الفريقين ، والمراد بالأولين : من أنكر البعث ولم يُرد إلاّ الحياة الدنيا ، وبالآخرين من ألهاه حبُ العاجل عن التأمل في الآجل والإعداد له . هـ . { أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون } أي : بما واظبوا عليه وتمرنوا به من المعاصي . قال ابن عطية : وفي هذه اللفظة رد على الجبرية ، ونص على تعلق العقاب بالتكسب . هـ . الإشارة : هو الذي جعل شمس العِيَان مشرقة في قلوب أهل العرفان ، لا غروب لها مدى الأزمان ، وجعل قمر توحيد الدليل والبرهان نوراً يهتدي به إلى طريق الوصول إلى العيان ، وقدَّر السير به منازل وهي مقامات اليقين ومنازل السائرين ينزلون فيها مقاماً مقاماً إلى صريح المعرفة ، وهي التوبة والخوف ، والرجاء والورع ، والزهد والصبر ، والشكر والرضى والتسليم والمحبة ، والمراقبة والمشاهدة . ما خلق الله ذلك إلا بالحق ، ليتوصل به إلى الحق . إن في اختلاف ليل القبض ونهار البسط على قلب المريد لآيات دالة له على السير ، لقوم يتّقون السوى ، أو شواغل الحس . إن الذين لا يرجون الوصول إلينا لقصر همتهم ، ورضوا بالحياة الدنيا وشهواتها ، واطمأنوا بها لم يرحلوا عنها ، إذ لا يتحقق سير السائرين إلا بمجاهدة تركها والرحيل بالقلب عنها ، والذين هم عن آياتنا غافلون لانهماكهم في الهوى والحظوظ ، أولئك مأواهم نار القطيعة وغم الحجاب ، بما كانوا يكسبون من الاشتغال بالحظوظ والشهوات . وبالله التوفيق . ثم ذكر أضدادهم ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } .