Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 100-104)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : ذلك : مبتدأ . ومن أنباء : خبر ، ونقصه : خبر ثان . وجملة : منها قائم وحصيد : استئنافية لا حالية لعدم الرابط . يقول الحق جل جلاله : { ذلك } النبأ الذي أخبرناك به في هذه السورة ، هو { من أنباء القرى } الماضية المهلَكة ، { نقصه عليك } ، ونخبرك به تهديداً لأمتك وتسلية لك . { منها } ما هو { قائم } البناء باقي الأثر ، { و } منها { حصيد } أي : محصود عافي الأثر ، كالزرع المحصود . أو : منها ما هو ساكن بقوم آخرين ، قائم العمارة بغير من هلك ، ومنها ما هو دارس عفى أثره ، واندرست أطلالُه . قال تعالى : { وما ظلمناهم } بإهلاكنا إياهم ، { ولكن ظلموا أنفسهم } بأن عرضوها له بارتكابهم ما يوجب هلاكهم ، فعبدوا معي غيري ، { فما أغنت عنهم } : ما نفعتهم ، ولا قدرت أن تدفع عنهم العذاب ، { آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء } من ذلك العذاب ، { لما جاء أمر ربك } حين جاءهم عذابه { وكذلك أخذُ ربك } أي : مثل ذلك الأخذ الوبيل أخذ ربك { إذا أَخَذَ القرى وهي ظالمةٌ } فلا يمهلها ، وقد يمهلها ثم يأخذها . فكل ظالم معرض لذلك . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللَّهَ ليُمْلِي للظَّالِمِ ، حَتى إِذا أَخَذَهُ لَمْ يُفلِتْهُ " ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك … } الآية . فالآية تعم قرى المؤمنين حيث عبَّر بظالمة دون كافرة . قاله ابن عطية . { إن أخذه أليم شديد } وجيع عظيم ، غير مرجو الخلاص منه ، وهو مبالغة في التهديد والتحذير . { إن في ذلك } الذي نسرده عليك من قصص الأمم الدارسة ، { لآية } لعبرة { لمن خاف عذابَ الآخرة } فيعتبر به ويتعظ لعلمه بأن ما خاق بهم أنموذج مما أعد الله للمجرمين في الآخرة . وأما من أنكر الآخرة فلا ينفعه هذا الوعظ والتذكير لفساد قلبه ، وموت روحه . { ذلك } أي : يوم القيامة الذي وقع التخويف به ، { يوم مجموعٌ له الناسُ } : محشورون إليه أينما كانوا . وعبَّر باسم المفعول دون الفعل للدلالة على الثبوت والاستقرار ، ليكون أبلغ لأن " مجموع " أبلغ من " يجمع " . { وذلك يوم مشهود } أي : تشهده أهل السماوات وأهل الأرض لفصل القضاء ، ويحضره الأولون والآخرون ، لاقتضاء الثواب والعقاب . فاليوم مشهود فيه ، فحذف الظرف اتساعاً … { وما نُؤخره إلا لأَجلٍ معدود } أي : إلا لانتهاء مدة معدودة في علم الله ، لا يتقدم ولا يتأخر عنها ، قد اختص الله تعالى به . والله تعالى أعلم . الإشارة : التفكر والاعتبار من أفضل عبادة الأبرار لأنه يزهد في الدنيا الفانية ، ويشوق إلى دار الباقية ، ويرقق القلب ، ويستدعي مخافة الرب ، فلينظر الإنسان بعين الاعتبار في الأمم الخالية ، والقرون الماضية ، والأماكن الدارسة كيف رحل أهلها عن الدنيا أحوج ما كانوا إليها ، وتركوها أحب ما كانت إليهم ؟ وفي بعض الخطب الوعظية : أين الفراعين المتكبرة ، وأين جنودها المعسكرات ؟ أين الأكاسير المنكسرة ؟ وأين كنوزها المقنطرات ؟ أين ملكوك قيصر والروم ؟ وأين قصورها المشيدات ؟ أين ملوك عدن ؟ أهل الملابس والحيجان ؟ وأين ملوك اليمن ، أهل العمائم والتيجان ؟ قد دارت عليهم والله الأقدار الدائرات ، وجرت عليهم برياحها العاصفات ، وأسكنتهم تحت أطباق الرجام المنكرات ، وصيرت أجسامهم طعمة للديدان والحشرات ، وأيمت منهم الزوجات ، وأيتمت منهم البنين والبنات . أفضوا إلى ما قدموا ، وانقادوا قهراً إلى القضاء وسلموا . فلا ما كانوا أملوا أدركوا ، ولا إلى ما فاتهم من العمل الصالح رجعوا . وبالله التوفيق . ثم ذكر شأن ذلك اليوم المشهود ، فقال : { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } .