Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 63-67)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : نكتل : أصله : نَكْتَيِِل ، بوزن نفتعل ، من الكيل ، قلبت الياء ألفاً لتحرك ما قبلها ، ثم حذفت للساكنين . و حفظاً : تمييز ، ومن قرأ بالألف فحال ، كقوله : لله دره فارساً . أو تمييز ، وهو أرجح . وما نبغي : استفهامية ، أو نافية . ونمير أهلنا : عطف على محذوف ، أي : ردت فنستظهر بها ونمير … الخ . قال في القاموس : مار يَمير بالكسر : جَلَب الطعام . هـ . وإلا أن يحاط : استثناء مفرغ من أعم الأحوال ، أي : لتأتنني به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم . يقول الحق جل جلاله : { فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا مُنع منا الكيلُ } أي : حكم بمنعه بعد هذا ، إن لم نذهب بأخينا بنيامين ، { فأرْسِل معنا أخانا نكتلْ } أي : نرفع المانع من الكيل ، ونكتل ما نحتاج إليه . وقرأ الأخوان بالياء : { يكتل } لنفسه ، فنضم اكتياله إلى اكتيالنا ، { وإنا له لحافضون } من أن يناله مكروه . { قال هل آمنكم عليه } أي : ما آمَنكم عليه { إلا كما أمنْتُكُم على أخيه من قبلُ } ، وقد قلتم في يوسف : { وإنا له لحافظون } ، { فاللَّهُ خيرٌ حافظاً } فأثق به ، وأفوض أمري أليه ، { وهو أرحمُ الراحمين } ، فأرجو أن يرحمني بحفظه ، ولا يجمع عليّ مصيبتين . { ولما فَتحوا متاعَهُم } : أوعيتهم ، { وجدوا بضاعَتَهم رُدت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي } أي : ما نطلب ، فهل من مزيد على هذه الكرامة ، أكرمنا وأحسن مثوانا ، وباع منا ، ورد علينا متاعنا ، ولا نطلب وراء ذلك إحساناً . أو : ما نتعدى في القول ، ولا نزيد على ما حكينا لك من إحسانه . أو : ما نبغي على أخينا ، ولا نكذب على الملك . { هذه بضاعتنا رُدَّتْ إلينا } ، وهو توضيح وبيان لقولهم : { ما نبغي } ، أي : ردت إلينا فنتقوى بها . { ونمير أهلَنا } : نسوق لهم الميرة وهو : الطعام حين نرجع إلى الملك ، { ونحفظُ أخانا } من المكاره في ذهابنا وإيابنا … { ونزدادُ كيلَ بعيرٍ } بزيادة حِمل بعير أخينا ، إذ كان يوسف عليه السلام لا يعطي إلا كيل بعير لكل واحد . { ذلك كيلٌ يسير } أي : ذلك الطعام الذي أتيناه به شيء قليل لا يكفينا حتى نرجع ويزيدنا كيل أخينا ، أوْ ذلك الحِمل الذي يزيدنا لبعير أخينا كيل قليل عنده ، يسهل عليه لا يتعاظمه ، فلا يمنعنا منه . كأنهم اسْتَقَلَّوا ما كيل لهم فأرادوا أن يضاعفوه بالرجوع إلى الملك ويزدادوا إليه ما يكال لأخيهم . وقيل : إنه من كلام يعقوب عليه السلام ، والمعنى : أن حمل بعير شيء قليل لا يخاطرَ لمثله بالولد . { قال لن أرْسِلهُ معكم } لأني رأيت منكم ما رأيت ، { حتى تُؤتون موثقاً من الله } حتى تعطوني ما أثق به من عهد الله ، وتحلفوا ليَ الأيمان الموثقة { لتأتنني به } في كل حال ، { إلا أن يُحاطَ بكم } إلا أن تغلبوا ، ولا تطيقوا الإتيان به . أو : إلا أن تهلكوا جميعاً ويحيط الموت بكم { فلما آتَوْهُ موثقَهم } عهدهم وحلفوا له ، { قال } أبوهم : { الله على ما نقولُ } من طلب الموثق وإتيان الولد { وكيل } أي : مطلع رقيب ، لا يغيب عنه شيء . ثم وصاهم { وقال } لهم : { يا بَنيّ لا تدخلوا من بابٍ واحدٍ وادخلوا من أبواب متفرقةٍ } . وكانت في ذلك العهد خمساً : باب الشام ، وباب المغرب ، وباب اليمن ، وباب الروم ، وباب طَيْلون . فقال لهم : ليدخل كل أخوين من باب ، خاف عليهم العين لأنهم أهل جمال وأُبَّهة ، مشتهرين في مصر بالقربة والكرامة فإذا دخلوا كبكبة واحدة أصابتهم العين . ولعل لم يوصهم بذلك في المرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين حينئذٍ ، وللنفس آثار من العين ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " العَينُ حَقٌّ تُدخِل الرَّجُلَ القَبرَ والجَمَلَ القِدرَ " . وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ منها ، بقوله : " اللهم إنِّي أَعُوذ بك مِن كَلِّ نَفسٍ هَامَّةٍ ، وعَينٍ لامَّةٍ " يؤخذ من الآية والحديث : التحصن منها قياماً برسم الحكمة . والأمر كله بيد الله . ولذلك قال يعقوب عليه السلام : { وما أغني عنكم من الله من شيء } مما قُضي عليكم بما أشرت به عليكم ، والمعنى : أن ذلك لا يدفع من قدر الله شيئاً ، فإن الحذر لا يمنع القدر ، { إن الحُكم إلا لله } فما حكم به عليكم لا ترده حيلة ، { عليه توكلتُ وعليه فليتوكل المتوكلون } أي : ما وثقت إلا به ، ولا ينبغي أن يثق أحد إلا به . وإنما كرر حذف الجر زيادة في الاختصاص ترغيباً في التوكل على الله والتوثق به . الإشارة : رُوي أن إخوة يوسف لما رجعوا عنه صاروا لا ينزلون منزلاً إلا أقبل عليهم أهل ذلك المنزل بالكرامات والضيافات ، فقال شمعون : لما قدمنا إلى مصر ما التفت إلينا أحد ، فلما رجعنا صار الناس كلهم يكرموننا ؟ فقال يهوذا : الآن أثر الملك عليكم ، ونور حضرته قد لاح عليكم . هـ . قلت : وكذلك من قصد حضرة العارفين لا يرجع إلا محفوفاً بالأنوار ، معموراً بالأسرار ، مقصوداً بالكرامة والإبرار . قوله تعالى : { فأرسل معنا أخانا … } إلخ قال الأستاذ القشيري : المحبة غيورٌ لما كان ليعقوب تَسَلٍّ عن يوسف برؤية بنيامين ، أبت المحبة إلا أن تظهر سُلطانها بالكمال فغارت على بنيامين أن ينظر إليه يعقوب بعين يوسف . هـ . قلت : وكذلك الحق تعالى غيور أن يرى في قلب حبيبه شيئاً غيره ، فإذا رأى أزاله عنه ، وفرق بينه وبين ذلك الشيء ، حتى لا يُحب شيئاً سوى محبوبه . هذا مما يجده أهل الأذواق في قلوبهم . وقوله تعالى في وصية يعقوب : { لا تدخلوا من باب واحد } ، فيه إشارة إلى أن الدخول على الله لا يكون من باب واحد بحيث يلتزم المريد حالة واحدة وطريقة واحدة كالعزلة فقط ، أو الخلطة فقط ، أو الصمت على الدوام ، أو ذكر الاسم على الدوام . بل لا بد من التلوين قبل التمكين وبعده فالعزلة على الدوام : مقام الضعف ، والخلطة من غير عزلة بطالة . بل لا يكون عارفاً حتى يعرف الله ، ويكون قلبُه معه في العزلة والخلطة ، والصمت والكلام ، والقبض والبسط ، والفقد والوجد ، ويترقى من ذكر الاسم إلى الفكرة والنظرة ، كما هو عند أهل الفن . وقوله تعالى : { عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون } ، فيه تهييج على مقام التوكل ، وحث على الثقة بالله في جميع الأمور . وفي ذلك يقول الشاعر : @ تَوَكَّل على الرَّحمن في كُلِّ حَاجَةٍ وَثِق بالله ، دَبَّر الخلق أجمعْ وضَع عَنكَ هَمَّ الرِّزْقِ فالرَّبُّ ضَامِنٌ وكفّ عن الْكَونَينِ والخلق أَربع @@ قوله : " والخلق أربع " أراد العالم العلوي والسفلي ، والدنيا والآخرة . وكلها أكوان مخلوقة يجب كف البصر والبصيرة عن الميل إليها ، والوقوف معها . والله تعالى أعلم . ثم ذكر رجوعهم إلى مصر ، واتصال يوسف بأخيه ، وإمساكه عنده إلى أن اتصل بأبيه ، فقال : { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } .