Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 13-17)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : واستفتحوا : معطوف على أوحى إن كان الضمير للرسل ، واستئناف إن كان للكفار . ويسْقى : معطوف على محذوف ، أي : يلقى فيها ويسْقى ، وصديد : عطف بيان لماء ، ويتجرعه : صفة لماء ، أو حال من ضمير يسقى . يقول الحق جل جلاله : { وقال الذين كفروا لِرُسُلهم } تخويفاً لهم : والله { لنُخرجنَّكم من أرضنا أو لتعودُنَّ في ملَّتنا } ، حلفوا ليكونن أحد الأمرين إما إخراج الرسل من ديارهم ، أو عودهم إلى ملتهم ، والعود هنا بمعنى الصيرورة لأنهم لم يكونوا على ملتهم ، كما تقدم في قصة شعيب عليه السلام . ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول ، ولمن آمن معه ، فغلّب الجماعة على الواحد ، وقال الذين كفروا في كل عصر لكل رسول أتاهم : لنخرجنك ، أو لتعودَن في ملتنا . { فأوحى إليهم ربُّهم } أي : إلى رسلهم ، مجتمعين أو متفرقين على القولين وقال في إيحائه : والله { لَنُهلكنَّ الظالمين } فتخلى بلادهم ، { ولَنُسْكِنَنكُم الأرضَ من بَعدهم } أي : أرضهم وديارهم ، لقوله : { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱ } [ الأعراف : 137 ] . { ذلك } الميراث والإسكان { لمن خاف مقامِي } أي : قيامه للحساب بين يدي في القيامة ، أو قيامي على عبادي ، وحفظي لأعمالهم ، واطلاعي على سرهم وعلانيتهم . أو خاف عظمة ذاتي وجلالي ، { وخاف وعيد } أي : وعيدي بالعذاب ، أو عذابي الموعود للكفار . { واستفتحوا } أي : استفتح الرسل : طلبوا من الله الفتح على أعدائهم ، أو القضاء بينهم وبين أعاديهم ، كقوله : { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ } [ الأعراف : 89 ] واستفتح الكفرة واستنصروا على غلبة الرسل ، على نحو قول أبي جهل في غزوة بدر : اللهم ، أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا يعرف ، فأحنه الغداة ، أي : أهلكه . أو : استفتح الفريقان معاً ، فكل واحد منهما سأل الله أن يُهلك المبطل وينصر المحق . وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن محيصن : بكسر التاء على الأمر للرسل بطلب الفتح . { وخاب } : خسر { كلُّ جبارٍ } : متكبر على الله ، { عنيدٍ } : معاند للحق ولمن جاء به . وهذا هو الفتح الذي فتح لهم ، وهو : خيبة المتكبرين وفلاح المؤمنين . ثم ذكر مآل خيبتهم بقوله : { من ورائه جهنمُ } أي : أمامه وبين يديه ، فإنه مرْصد بها ، واقف على شفيرها في الدنيا ، مبعوث إليها بعد الموت فيلقى فيها ، { ويُسقى من ماءٍ صديد } ، وهو ما يسيل من جلود الكفارمن القيح والدم . { يتجرَّعُه } : يتكلف جرعه ، أي : زهوقه في حلقه . رُوي : " أن الكافر يؤتى بالشربة منه فيتكرهها ، فإذا أدْنيت منه شوت وجهه ، وسقطت فيها فروة رأسه ، فإذا شربها قطعت أمعاءه " . فيتجرعه { ولا يكادُ يُسيغُه } أي : لا يقارب أن يُسيغه ، أي : يبتلعه بصعوبة فكيف يُسيغه ، بل يكلف به ويطول عذابه ثم يبتلعه لأن نفي " كاد " يقتضي الوقوع . والسوغ : جواز الشراب على الحلق بسهولة ، وهذا بخلافه . { ويأتيه الموتُ } أي : أسباب الموت { من كل مكانٍ } من أجل الشدائد التي تُحيط به من جميع الجهات . أو : من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجليه . { وما هو بميت } فيستريح ، { ومن ورائهِ } : من بين يديه { عذابٌ غليظ } أي : يستقبل في كل وقت عذاباً أشد مما هو عليه ، وقيل : هو الخلود في النار ، وقيل : حبس الأنفاس في الأجساد . قاله الفضيل بن عياض . وقيل : قوله : { واستفتحوا } : كلام منقطع عن قصة الرسل ، بل نزل في أهل مكة حين استفتحوا بطلب المطر في السنة التي أخذتهم بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فخيب الله رجاءهم ولم يسقهم ، وأوعدهم أن يسقيهم بَدَلاً من سقياهم المطر صديدَ أهل النار . قال معناه البيضاوي . الإشارة : ما خوَّفت الكفارُ به ، رسلَهم خوفت به العوام فقراءَهم وأولياءهم ، قال التجيبي ، في الإنالة ، لما تكلم على خفاء الأولياء ، قال : ومعلوم أن العصمة لم تثبت إلا للنبيين والرسل عليهم الصلاة والسلام وأنَّ غيرهم يصيب ويخطئ ، ويذنب ويتوب ، لكن لمن سُطرت مناقب الرجال ، وكراماتهم ، ولم تذكر سيئاتهم ، وطال العهد بهم ، ظن أكثر الخلق أن ليس لهم سيئات ، وقد كان لهم في أزمانهم المُحب والمبغض ، والمسلّم والمنتقد . ثم قال : فمن يرضى يقول أحسن ما يعلم ، ومن يسخط يقول أقبح ما يعلم ، وقد رأى أولئك في أزمانهم من الأذى والتنقص ، وإساءة الظن بهم ما كان يقصر عنه صبر غيرهم ، وقد أُخْرِجَ أبو زيد البسطامي من بسطام مراراً ، ورُفِع الشبلي والخواص والنوري للسلطان ، وتستر الجنيد بالفقه حين ضُيِّقَ على الفقراء ، وقُبض على الحلاج ، وضُرب ، ومُثَّل به ، على أنه ساحر زنديق . هـ . المراد منه . قلت : وقد وقع بنا في مدينة تِطوان أيام التجريد أمثال هذا ، فقد خُوفنا بالضرب مراراً ، وسُجِنا وأُخرجنا من زاويتنا ، وقال لنا محتسبُهُم : والله لنخرجنكم من مدينتنا ، ونركبكم في سفينة إلى بر النصارى ، فقلت له : حبّاً وكرامة ، ولعلّنا نُذكرهم الله حتى يسلموا ، ولما وصل الخبر بهذه المقالة إلى شيخنا ، كتب لنا بهذه الآية : { وقال الذين كفروا لرسلهم … } الخ . وكل آية في الكفار تجر ذيلها على من تشبه بهم ، وإن كان مُسلماً . وبالله التوفيق . ثمَّ ضرب مثلاً لعمل الكفار .