Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 18-18)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : مثل : مبتدأ ، والخبر محذوف عند سيبويه ، أي : فيما يتلى عليكم مثلهم . وقال الفراء : الخبر ما بعده ، وهو جملة : أعمالهم كرمادٍ ، أو أعمالهم : بدل ، والخبر : كرماد ، وعلى قول سيبويه تكون جملة : أعمالهم : مستأنفة لبيان مثلهم . يقول الحق جل جلاله : { مَّثلُ } أعمال { الذين كفروا بربهم } في عدم الانتفاع بها وذهابها : { كرمادٍ اشتدت به الريحُ } في الهوى بسرعة { في يومٍ عاصفٍ } : شديد ريحه . والعصْف : اشتداد الريح . وصف به زمانه للمبالغة ، كقولهم : نهاره صائم ، وليله قائم . شبه صنائعهم من الصدقة ، وصلة الرحم ، وإغاثة الملهوف ، وعتق الرقاب ، ونحو ذلك من مكارمهم في حبوطها لبنائها على غير أساس من الإيمان بالله ، والتوجه بها إليه بغبار طارت به الريح العاصفة { في يوم عاصفٍ ، لا يقْدرونَ } يوم القيامة { مما كسبوا } من أعمالهم { على شيءٍ } من الانتفاع بها لحبوطها ، وتلاشيها ، فلا يقدرون منها على شيء ، ولا يجدون ثوابها ، وحيل بينهم وبين النفع ، كما حالت الرياح بينك وبين ما تنسفه ، فهو كما قيل : فذلكة التمثيل . { ذلك } إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون ، { هو الضلال البعيد } أي : هو الغاية في البُعد عن طريق الحق . الإشارة : العمل الذي يثبت لصاحبه هو الذي يصحبه الإخلاص في أوله ، والإسرار في آخرِه ، والتبري فيه من الحول والقوة ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّ الإبقَاءَ عَلَى العمل أشَدُّ مِنَ العمل ، وإنَّ الرجلَ لَيَعْمَلُ العمل فيُكتب له عَمَلٌ صالحٌ ، معمول به في السر ، يضعِّف أجره بسبعين ضِعفاً ، فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويُعْلنه ، فيكتب علانيته ، ويمحى تضعيف أجره كله ، ثم لا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويُحب أن يُحمد عليه ، فيُمحى من العلانية ، ويكتب رياء ، فاتقى الله امرؤ صان دينه ، وإن الرياء شرك " رواه البيهقي . وبهذا تظهر فضيلة عمل القلوب ، كعبادة التفكر والاعتبار ، أو الشهود والاستبصار ، أو نية صالحة وهدى صالح ، أو زهد في القلب ، وورع وصبر ، وشكر وحلم ، وغير ذلك من أعمال القلوب ، التي لا يطلع عليها ملك فيكتبه ، ولا شيطان فيُفسده ، بل يتولى جزاءه أكرمُ الأكرمين . ولذلك قيل : ذرة من أعمال القلوب أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح . وقال عليه الصلاة والسلام : " تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة " ولهذا أمر به أي : بالتفكُّر ـ . بعد ضرب المثل للعمل الظاهر .