Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 19-20)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { ألم تَرَ } يا محمد ، أو أيها السامع { أن الله خلق السماوات والأرض بالحق } لتدل على الحق ، أو بالوجه الذي يحقَّ ان تُخلق لأجله ، وهو التعريف بخالقها ، وبقدرته الباهرة التي تقدر على الإيجاد والإعدام ، ولذلك قال : { إن يشأ يُذهبكم ويأت بخَلْقٍ جديدٍ } ، أي : إن يشأ يعدمكم ويستبدل مكانكم خلقاً آخر . فإنَّ من قدر على إيجاد صورهم ، وما تتوقف عليه مادتهم ، قادر على أن يبدلهم بخلق آخر { وما ذلك على الله بعزيز } أي : بمتعذر ، أو ممتنع لأن قدرته عامة التعلق ، لا تختص بمقدور دون آخر ، ومن كان هذا شأنه كان حقيقاً بأن يُفرد بالعبادة والقصد رجاء لثوابه ، وخوفاً من عقابه يوم الجزاء ، الذي أشار إليه بقوله : { وبرزوا لله … } إلخ . الإشارة : ألم تر أن الله خلق سماوات الأرواح ، لشهود الحق في مقام التعريف ، وأرض النفوس لعبادة الحق في مقام التكليف . الأرواح مستقرها سماء الحقائق ، والأشباح مقرها أرض الشرائع . عالم الأرواح محل التعريف ، وعالم الأشباح محله التكليف . والأرواح لا تنفك عن الأشباح في الصورة الخلقية ، غير أنها تعرج عنها بالتصفية والذكر ، حتى تترقى إلى عالم الأرواح ، فلا تشهد إلا الأرواح في محل الأشباح وهذا من أعظم أسرار الربوبية ، التي يطلع عليها العارفون بالله ، فإذا أطلعهم الله على هذا المقام ، كُوشفوا بأسرار الذات العلية ، وبعالم الأرواح الذي هو مظهر أرواح الأنبياء والرسل ، فلا يغيبون عن الله ساعة ، ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن مقام أرواح الأنبياء والأولياء . وفي هذا المقام قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : لي ثلاثون سنة ، ما غاب عني الحق طرفة عين . وقال أيضاً : لو غاب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ما عددت نفسي من المسلمين . وقال شيخ شيوخنا سيدي علي الجمل العمراني رضي الله عنه : مما منَّ الله به عليَّ أني ما ذكرتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا خطر على قلبي إلا وجدتني بين يديه … الخ كلامه . نفعنا الله بهم . وأهل هذا المقام موجودون في كل زمان ، فإن القادر في زمانهم هو القادر في زماننا ، وفي قوله تعالى : { إن يشأ يذهبكم … } الآية ، إشارة إلى هذا ، أي : إن يشأ يذهبكم عن شهود أنفسكم ، ويأت بخلق جديد ، تُشاهدون به أسرار ربكم ، وما ذلك على الله بعزيز . قال أبو المواهب التونسي رضي الله عنه : حقيقة الفناء محو واضمحلال ، وذهاب عنك وزوال . هـ . فيبرزون من عالم الاشباح إلى عالم الأرواح .