Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 32-34)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الله : مبتدأ ، والذي ، وما بعده : خبر ، و رزقاً لكم : مفعول أخرج ، و من الثمرات : بيان له ، حال ، ويجوز العكس ، ويجوز أن يراد بالرزق : المصدر ، فينصب على العلة أو المصدر لأن أخرج فيها معنى " رَزَقَ " ، و دائبينْ : حال ، والدؤوب : الدوام على عمل واحد ، و من كل ما سألتموه : يحتمل أن تكون " ما " مصدرية ، أو موصولة ، أو موصوفة . يقول الحق جل جلاله : { اللهُ الذي خلق السماوات والأرض } من أجلكم ، السماء تُظلكم ، والأرض تُقلكم ، { وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمراتِ رزقاً لكم } ، تعيشون به وتتفكهون منه . ويشمل الملبوس ، كالقطن ، والكتان ، وشبه ذلك { سخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره } : بمشيئته وقدرته ، إلى حيث توجههم مع أسباب حكمته ، تغطية لقدرته ، وهو ما يتوقف عليه جريها وإرساؤها ، من الجبال والقلاع ، { وسخّر لكم الأنهار } مطردة لانتفاعكم بالسفن والشرب ، وسائر منافعها ، فجعلها مُعدَّة لا نتفاعكم وتصرفكم . وقيل : تسخير هذه الأشياء : تعليم كيفية اتخاذها والانتفاع بها . { وسخَّر لكم الشمسَ والقمرَ دائبين } متماديين في الطلوع والغروب ، يدأبان في سيرهما وإنارتهما ، وإصلاح ما يصلحانه من المكونات ، بقدرة خالقهما ، { وسخَّر لكم الليلَ والنهارَ } يتعاقبان لسكناتكم ومعايشكم . { وآتاكم من كل ما سألتموه } أي : وآتاكم بعض جميع ما سألتموه ، وهو ما يليق بكم ، وما سبق لكم في مشيئته وعلمه . قال البيضاوي : ولعل المراد بما سالتموه : ما كان حقيقياً بأن يسأل لاحتياج الناس إليه ، سُئل أو لم يسأل . هـ . وقرأ الضحاك وابن عباس : " من كُلِّ " بالتنوين ، أي : وآتاكم من كل شيء احتجتم إليه ، وسألتموه بلسان الحال . ويجوز على هذا أن تكون " ما " نافية ، في موضع الحال ، أي : وآتاكم من كل شيء غير سائليه . { وإن تعدوا نعمةَ الله لا تُحصوها } : لا تحصوها ، ولا تطيقوا عدَّ أنواعها ، فضلاً عن أفرادها ، فإنها غير متناهية فمنها ظاهرة ، ومنها باطنة ، كالهداية والمعرفة . قال طلق بن حبيب : إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد ، ونعمة أكثر من أن يحصيها العباد ، ولكن أصبحوا توابين ، وأمسوا توابين . هـ . وقال أبو الدرداء : من لم ير نعمة الله إلا في مطعمه ومشربه ، فقد قلَّ علمه ، وحضر عذابه . هـ . { إنَّ الإنسانَ لظلوم } بظلم النعمة لمَّا غفل عن شكرها ، أو بظلم نفسه لمَّا عرضها للحرمان ، بارتكاب المعاصي ، { كفارٌ } : شديد الكفران ، وقيل : ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفّار في النعمة يجمع ويمنع . قاله البيضاوي . الإشارة : الله الذي أنزل من سماء الملكوت علوماً وأسراراً ، تحيا به القلوب والأرواح ، فأخرج به من أرض النفوس ، ثمرة اليقين والطمأنينة ، رزقاً لأرواحكم . وسخر لكم فلك الفكرة تجري في بحر التوحيد ، وفضاء التفريد بأمره . وسخر لكم أنهار العلوم ، منها ما هو علم الرسوم لأصلاح الظواهر ، ومنها ما هو علم الحقائق لإصلاح الضمائر . وسخر لكم شمس العرفان وقمر الإيمان ، دائبين ، يستضيء بقمر التوحيد في السير إلى معرفة أنوار الصفات ، وبشمس العرفان إلى أسرار الذات . وسخَّر لكم ليل القبض لتسكنوا فيه ، ونهار البسط ، لتنشروا في اقتباس العلوم وربما أفادك في ليل القبض ما لم تفسده في نهار البسط لا تدرون أيهم أقرب نفعاً . وآتاكم من كل ما سألتموه حين كمل تهذيبكم ، وصح وصلكم ، فيكون أمركم بأمر الله . وإن تعدوا نعمة الله لا تحصُوها إذ نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد لا حدَّ لهما في هذه الدار وفي تلك الدار ، ففي كل نَفَس يمدهم بمَددٍ جديد ، ومع هذا كله يغفل العبد عن هذه النعم ! ! إن الإنسان لظلوم كفار ، وشكرها : نسبتها لمعطيها ، وحمد الله عليها . وفي الحكم : " لا تدهشك واردات النعم عن القيام بحقوق شكرك فإنَّ ذلك مما يحط من وجود قدرك " . قال سهل بن عبد رضي الله عنه : ما من نعمة إلا والحمد أفضل منها ، والنعمة التي ألهم بها الحمد أفضل من الأولى ، لأن الشكر يستوجب المزيد . وفي أخبار داود عليه السلام أنه قال : إلهي ، ابنُ آدمَ ليس فيه شعرة إلا وتحتها نعمة ، وفوقها نعمة ، فمن أين يكافئها ؟ فأوحى الله تعالى إليه : يا داود ، إني أُعْطِي الكثير وأرْضَى باليسير ، وإنَّ شكر ذلك أن تعلم أن ما بك من نعمة فمني . هـ . ومن جملة النعم التي يجب الشكر عليها وهي التي بدلها الكفار كفراً .