Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 42-45)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : يوم يأتيهم : مفعول ثانٍ لأَنذِر ، ولا يصح أن يكون ظرفاً . ونُجبْ دعوتك جواب الأمر . يقول الحق جل جلاله : { ولا تحسبنَّ } أيها السامع ، أن { اللَّهَ غافلاً عما يعملُ الظالمون } ، أو أيها الرسول ، بمعنى : دُمْ على ما أنت عليه من أن الله مطلع على أفعالهم ، لا تخفى عليه خافية ، غير غافل عنهم . وهو وعيد بأنه معاقبهم على قليله وكثيره لا محالة . وقيل : إنه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم فالحق تعالى يمهل ولا يهمل . { إنما يؤخرهم } ، أي : يؤخر عذابهم { ليوم تشخص فيه الأبصارُ } ، أي : تحد فيه النظر ، من غير أن تطرف من هول ما ترى . { مُهطعين } : مسرعين إلى الداعي مذلة واستكانة ، كإسراع الأسير والخائف ونحوه ، أو مقبلين بأبصارهم ، لا يطرفون هيبة وخوفاً ، { مُقنعي رؤوسهم } رافعيها إلى السماء كرفع الإبل رأسها عند رعيها أعالي الشجر . وذلك من شدة الهول ، أو من أجل الغل الذي في عنقه ، كقوله { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ } [ يس : 8 ] . وقال الحسن في هذه الآية : وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد . هـ . { لا يرتدُّ إليهم طرفهم } ، بل تقف أعينهم شاخصة لا تطرف ، أو : لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم ، { وأفئدتهم هواء } : خلاء ، محترقة ، فارغة من الفهم ، لا تعي شيئاً لفرط الحيرة والدهشة . ومنه يُقال للأحمق وللجبان : قلبه هواء ، أي : لا رأي فيه ولا قوة . وقيل : خالية من الخير ، خاوية من الحق . { وأنذر الناس } يا محمد ، أي : خوفهم هذا اليوم ، وهو : { يوم يأتيهم العذابُ } ، يعني يوم القيامة ، أو يوم الموت فإنه أول مطلع عذابهم ، { فيقول الذين ظلموا } بالشرك والتكذيب : { ربنا أخِّرنا إلى أجل قريب } أي : أخِّر العذاب عنا ، وردنا إلى الدنيا ، وأمهلنا إلى أجل قريب ، { نُجب دعوتك } حينئذٍ { ونتبع الرسلَ } ونظيره : { لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ المنافقون : 10 ] . قال تعالى لهم : { أو لم تكونوا أقسمتم من قبلُ } أنكم باقون في الدنيا ، { ما لكم من زوال } عنها بالموت ولا بغيره ، ولعلهم أقسموا بطراً وغروراً . أو دل عليه حالهم حيث بنوا مشيداً ، وأمَّلوا بعيداً . أو أقسموا أنهم لا يُنقلون إلى دار أخرى ، وأنهم إذا ماتوا لا يُزالون عن تلك الحالة ، ولا ينقلون إلى دار الجزاء ، كقوله : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] . { وسكنتمُ في مساكن الذين ظلموا أنفسَهم } بالكفر والمعاصي ، من الأمم السالفة كعاد وثمود ، { وقد تبيّنَ لكم كيف فعلنا بهم } بما تُشاهدون من آثارهم الدارسة ، وديارهم الخربة ، وما تواتر عندكم من أخبارهم ، { و } قد { ضربنا لكم الأمثالَ } من أحوالهم ، أي : بيَّنا لكم أنكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب ، أو بيَّنا لكم صفات ما فعلوا ، وما فُعل بهم ، التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة . الإشارة : كما أمهل ، سبحانه الظالمين إلى دار الشدائد والأهوال ، أمهل عباده الصالحين إلى دار الكرامة والنوال لأن هذه الدار لا تسع ما أراد أن يعطيهم من الخيرات لأنها ضيقة الزمان والمكان ، فقد أجلَّ مقدارهم أن يجازيهم في دار لا بقاء لها ، وتلك الدار باقية لا نفاذ لها ، ففيها يتمحض الجمال والجلال . فبقدر ما ينزل على أهل الجلال من الأهوال ينزل على أهل الجمال من الكرامة والنوال . وتأمل ما تمناه أهل الجلال حين نزلت بهم الأهوال من قولهم : { ربنا أخرنا إلى اجل قريب نُجب دعوتك ونتبع الرسل } ، ثم بادر إلى إجابة الداعي ، واتباع الرسول الهادي ، في كل ما جاء به من الأوامر والنواهي ، واعتبر بمساكن الذين ظلموا أنفسهم ، كيف فعل بهم الزمان ؟ وكيف غرتهم الأماني وخدعهم الشيطان ، حتى أسكنهم دار الذل والهوان ؟ فشد يدك على الطاعة والإحسان والشكر لله على الهداية لنعمة الإسلام ، والإيمان ، وعلق قلبك بمقام الإحسان فإن الله يرزق العبد على قدر نيته ، وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر ما فعل بأهل المكر والخذلان .