Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 9-9)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : شك : فاعل بالمجرور ، وفاطر : نعت له . يقول الحق جل جلاله : حاكياً عن نبيه موسى عليه السلام في تذكير قومه ، أو من كلامه تذكيراً لهذه الأمة { ألم يأتكم نبأ الذين مِن قبلكم } : ما جرى عليهم حين عصوا أنبياءهم { قوم نوح وعادٍ وثمود والذين من بعدهم } كقوم شعيب ، وأمم كثيرة { لا يعلمهم إلا اللهُ } لكثرة عددهم ، واندراس آثارهم . ولذلك قال ابن مسعود : كذب النسَّابُون . { جاءتهم رسلهم بالبيناتِ } بالمعجزات الواضحات ، { فرَدُّوا أيديَهُمْ في أفواههم } ليعضوا عليها غيظاً مما جاءت به الرسل كقوله { عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } { آل عمران : 119 } . أو : وضعوها عليها تعجباً منهم ، أو : استهزاءً بهم ، كمن غلب عليه الضحك . أو إسكاتاً للأنبياء ، وأمراً لهم بإطباق الأفواه ، أو : ردوها في أفواه الأنبياء ، يمنعونهم من التكلم ، أو : ردوا أيديهم ، أي : نِعَم الأنبياء عليهم ، وهي : مواعظهم والشرائع التي أتوهم بها من عند الله ، ردوها في أفواه الأنبياء حيث كذبوها ، ولم يعملوا بها ، كما تقول لمن لم يمتثل أمرك : ترك كلامي في فمي وذهب . { وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتُمْ به } على زعمكم ، { وإنا لفي شكٍّ مما تدعوننا إليه } من التوحيد والإيمان ، { مُريب } : مُوقع في الريبة ، أو : ذي ريبة ، وهو : قلق النفس بحيث لا تطمئن إلى شيء . فإجابهم الرسل عن دعواهم الشك في الربوبية ، { قالت رُسُلُهم أفي الله شكٌّ } : أفي وجوده شك ، أو في ألوهيته ، أو في وحدانيته شك ؟ قال البيضاوي : أُدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه ، لا في الشك ، أي : إنما ندعوكم إلى الله ، وهو لا يحتمل الشك لكثرة الأدلة ، وظهور دلالتها عليه . هـ . وأشار إلى ذلك بقوله : { فاطر السماواتِ والأرض } أي : خالقهما ومبدعهما على هذا الشكل الغريب ، والإتقان العجيب إذ لا يصدر إلا من إله عظيم القدرة ، باهر الحكمة ، واحد في ملكه { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] ، وهو { يدعوكم } إلى الإيمان والتوحيد ببعثه إيانا ، والتصديق بنا ، { ليغفر لكم من ذُنُوبكم } إن آمنتم ، أي : يغفر لكم بعض ذنوبكم ، وهو ما تقدم قبل الإسلام ، ويبقى ما يُذنب بعده في المشيئة ، أو : ما بينكم وبينه دون المظالم . والجمهور : أنه يغفر للكافر ما سلف مطلقاً ، وقيل : " من " : زائدة ، على غير مذهب سيبويه . قال البيضاوي : وجيء بمن ، في خطاب الكفرة ، دون المؤمنين في جميع القرآن ، تفرقةً بين الخطابين ، ولعل المعنى فيه أن المغفرة ، حيث جاءت في خطاب الكفار ، مرتبة على الإيمان ، وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة ، والتجنب عن المعاصي ، ونحو ذلك ، فيتناول الخروج عن المظالم . هـ . { ويُؤخّرَكُم إلى أجلٍ مسمّى } : إلى وقت سماه الله ، وجعله آخر أعماركم . وقال الزمخشري تبعاً للمعتزلة : يؤخركم إن آمنتم إلى آجالكم ، وإن لم تؤمنوا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت ، وهذا على قولهم بالأجلين . وأهل السنة يأبون هذا ، فإن الأجل عندهم واحد محتوم ، والله تعالى أعلم . الإشارة : التفكر والاعتبار أفضل عبادة الأبرار ، وفي الحديث : " تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة " فيتفكر العبد فيما سلف قبله من القرون الماضية والأمم الخالية ، كيف رحلوا عن ديارهم المشيدة ، وفروشهم الممهدة ، واستبدلوها بضيق القبور ، وافتراش التراب تحت الجُنوب ، وجاءهم الموت وهم غافلون ، وتجرعوا كأسها وهم كارهون ، فلا ما كانوا أمّلوا أدركوا ، ولا إلى ما فاتهم رجعوا قدِموا على ما قدَّموا ، وندموا على ما خلفوا ، ولم ينفع الندم وقد جف القلم ، فيوجب هذا التفكرُ الانحياش إلى الله ، والمسارعة إلى طاعة الله ، والزهد في هذه الدار الفانية ، والتأهب للسفر إلى الدار الباقية فيفوز فوزاً عظيماً . وفي تكذيب الصادقين تسلية للعارفين ، وللمتوجهين من المريدين ، إذا قُوبلوا بالإيذاء والتكذيب ، وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر ما أصاب به الكفار رسلهم