Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 10-15)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : في تسلية رسوله عليه الصلاة والسلام { ولقد أرسلنا مِن قبْلِكَ } رسلاً { في شِيَعٍ } : فرق { الأولين } أي : القرون الماضية ، جمع شيعة ، وهي : الفرقة المتفقة على طريق واحد ، وتتشيع لمذهب أو رجل ، من شاعه إذا تبعه ، أي : نبأنا رجالاً فيهم ، وجعلناهم رسلاً إليهم ، فكذبوهم واستهزؤوا بهم ، فكانوا : { ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون } كما يفعل بك هؤلاء المجرمون . { كذلك نَسْلُكُه } أي : ندخل الاستهزاء { في قلوب المجرمين } . والسلك : إدخال الشيء كالخيط في المخيط ، وفيه دليل على أنه تعالى يخلق الباطل دليل على أنه تعالى يخلق الباطل في قلوبهم . وإذا سلك في قلوبهم التكذيب { لا يؤمنون به } أبداً . أو : نسلكه ، أي : القرآن مستهزءاً به ، أي : مثل ذلك السلك نسلك الذكر في قلوب المجرمين مُكَذَّباً غير مؤمن به ، ثم هددهم على عدم الإيمان به ، فقال : { وقد خلت سُنَّةُ الأولين } أي : تقدمت طريقتهم على هذه الحالة من الكفر والاستهزاء ، حتى هلكوا بسبب ذلك ، أو مضت سنته في الأولين بإهلاك من كذب الرسل منهم ، فيكون وعيداً لأهل مكة . { ولو فتحنا عليهم } أي : على هؤلاء المقترحين المعاندين من كفار قريش ، { باباً من السماء فظلوا فيه يعرجُون } : يصعدون إليها ، ويرون عجائبها طول نهارهم ، لكذبوا ، أو فظلت الملائكة يعرجون فيها وهم يشاهدونهم لقالوا من شدة عنادهم وتشكيكهم في الحق : { إنما سُكِّرتْ } : حيرت { أبصارُنا } ، فرأينا الأمر على غير حقيقته من أجل السكر الذي أصابنا بالسحر . ويحتمل أن يكون مشتقاً من السَكر بفتح السين ، وهو السد ، أي : سُدَّت أبصارنا ، ومُنعنا من الرؤية الحقيقية . { بل نحن قوم مسحورون } سحرنا محمد ، كما قالوا عند ظهور غيره من الآيات . قال البيضاوي : وفي كلمتي الحصر والإضراب دلالة على جزمهم بأن ما يرونه لا حقيقة له ، بل هو باطل خُيّل ما خيل لهم بنوع من السحر . هـ . وذلك من فرط عنادهم ، وشقاوتهم . والعياذ بالله . الإشارة : هذا كله من قبيل التسلية لأهل الخصوصية ، إذا قوبلوا بالإنكار والاستهزاء ، فيرجعون إلى الله ، والاكتفاء بعلمه ، والاشتغال بالله عنه . وقد قال شيخ شيوخنا سيدي علي الجمل رضي الله عنه : عداوة العدو حقاً هي اشتغالك بمحبة الحبيب ، وأما إذا اشتغلت بعداوة العدو نال مراده منك ، وفاتتك محبة الحبيب . وقال الولي الصالح سيدي أبو القاسم الخصاصي رضي الله عنه لبعض تلامذته : لا تشتغل قط بمن يؤذيك ، واشتغل بالله يرده عنك ، فإنه هو الذي حركه عليك ، ليختبر دعواك في الصدق . وقد غلط في هذا الأمر خلق كثير اشتغلوا بإيذاء من آذاهم ، فدام الأذى مع الإثم ، ولو أنهم رجعوا إلى الله لردهم عنهم ، وكفاهم أمرهم . هـ . ثمَّ دلهم على المعجزة الحقيقية التي تدلهم على التوحيد