Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 51-60)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : سلاماً : مفعول بمحذوف ، أي : سلمنا سلاماً ، أو نسلم عليكم سلاماً . والضيف يطلق على الواحد والجماعة ، والمراد هنا : جماعة من الملائكة ، وتُبشرون : قرئ بشد النون بإدغام نون الرفع في نون الوقاية ، وبالتخفيف بحذف إحدى النونين ، وبالفتح على أنها نون الرفع . ويقنط : بالفتح والكسر ، يقال : قنط كضرِب وعلم . يقول الحق جل جلاله : { ونَبَّئهم } أي : وأخبر عبادي { عن ضيف إبراهيمَ } حين بشروه بالولد ، وأعلموه بعذاب قوم لوط ، لعلهم يعتبرون فيرجون رحمته ويخافون عذابه . أو : ونبئهم أن من اعتمد منهم على كفره وغوايته ، فالعذاب لاحق به في الدنيا ، كحال قوم لوط . ثم ذكر قصتهم من أولها فقال : { ونبئهم عن ضيف إبراهيم } ، وذلك حين { دخلوا عليه } ، وهم أربعة : جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، { فقالوا سلاماً } أي : نُسلم عليكم سلاماً ، قال : سلام ، ثم أتاهم بعجل حنيذ ، فلما قربه إليهم ، قالوا : إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن ، فقال إبراهيم : إن له ثمناً ، قالوا : وما ثمنه ؟ قال : تذكرون اسم الله على أوله ، وتحمدونه على آخره ، فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال : حق لهذا ان يتخذه ربه خليلاً ، فلما رأى أنهم لا يأكلون فزع منهم . ومن طريق آخر : أن جبريل مسح بجناحه العجْل ، فقام يدرج حتى لحق بأمه في الدار . هـ . هكذ ذكر القصة المحشي الفاسي عن ابن حجر . فلما أحس إبراهيم عليه السلام بالخوف منهم { قال إنما منكم وَجِلُون } : خائفون إما لامتناعهم من أكل طعامه ، أو لأنهم دخلوا بغير إذن ، أو في غير وقت الدخول . والوجل : اضطراب النفس لتوقع مكروه . { قالوا لا تَوْجَلْ } : لا تخف ، ثم عللوا نهيه عن الخوف فقالوا : { إنا نبشِّرك بغلام } وهو إسحاق ، لقوله { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } [ هود : 71 ] ، { عليمٍ } إذا بلغ أوان العلم . { قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ } أي : أبشرتموني بالولد مع أني قد كبر سني ، وكان حينئذٍ من مائة سنة وأكثر ، { فبِمَ تُبَشِّرونِ } ؟ أي : فبأي أعجوبة تبشرون ؟ أو فبأي شيء تبشرون ؟ فإن البشارة بما لا يتصور وقوعه عادة بشارة بغير شيء . قال ذلك على وجه التعجب من ولادته في كِبَرهِ . { قالوا بشرناك بالحق } : باليقين الثابت الذي لا محالة في وقوعه ، فلا تستبعده ، ولا تشك فيه ، { فلا تكن من القانطين } : من الآيسين ، فإن الله تعالى قادر على أن يخلق بشراً من غير أبوين ، فكيف من شيخ فانٍ وعجوز عاقرٍ . وكان استعجاب إبراهيم باعتبار العادة ، دون القدرة ولذلك { قال ومن يَقْنَطُ من رحمة ربه } أي : لا ييأس من رحمة ربه { إلا الضالون } : أي : المخطئون طريق المعرفة ، فلا يعرفون سعة رحمته تعالى ، وكمال قدرته ، قال القشيري : أي : من الذي يقنط من رحمة الله إلا من كان ضالاً ، فكيف أخطأ ظنكم بي ، فتوهمتم أني أقنط من رحمة ربي ؟ . هـ . وفيه دليل على تحريم القنوط قال تعالى : { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] . { قال فما خَطْبُكم أيها المرسلون } أي : ما شانكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة ؟ ولعله علم ان كمال المقصود ليس هو البشارة فقط ، لأنهم كانوا عدداً ، والبشارة لا تحتاج إلى عدد ، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم . أو لأنهم بشروه في تضاعيف الحال لأزالة الوجل ، ولو كانت تمام المقصود لابتدروه بها . ثم أجابوه : { قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين } يعني : قوم لوط لأن شأنهم الإجرام بفعل الفاحشة ، { إلا آل لوطٍ } أي : لكن آل لوط لم نُرْسَل إلى عذابهم إذ ليسوا مجرمين : أو أرسلنا إلى قوم أجرموا كلهم ، إلا آل لوط ، لنهلك المجرمين وننجي آل لوط ، ويدل عليه قوله : { إنا لمنجُّوهم أجمعين } من العذاب الذي يهلك به قوم لوط . قال ابن جزي : قوله : { إلا آل لوط } : يحتمل أن يكون استثناء من قومه ، فيكون منقطعاً لوصف القوم بالإجرام ، ولم يكن آل لوط مجرمين . ويحتمل أن يكون استثناء من الضمير في { مجرمين } فيكون متصلاً ، كأنه قال : إلى قوم أجرموا كلهم إلا آل لوط فلم يجرموا ، قوله : { إلا امرأته } استثناء من آل لوط ، فهو استثناء من استثناء . قيل : وفيه دليل على أن الأزواج من الآل لأنه استثنى امرأته من آله . وقال الزمخشري : إنما هو استثناء من الضمير المجرور في قوله : { إنا لمنجوهم } ، وذلك هو الذي يقتضيه المعنى . هـ . أي : إنا لمنجوهم من العذاب { إلا امرأته قدَّرنا إنها لمن الغابرين } الباقين في العذاب مع الكفرة لتهلك معهم ، وقرأ أبو بكر عن عاصم : " قدرنا " بالتخفيف ، وهما لغتان ، يقال : قدّر الله وكذا وقدره ، قال البيضاوي : وإنما علق ، والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم ، ويجوز أن يكون قدرنا : أجرى مجرى قلنا لأن التقدير بمعنى القضاء قول ، وأصله : جعل الشيء على مقدار غيره ، وإسناد التقدير إلى إنفسهم ، وهو فعل الله تعالى لما لهم من القرب والاختصاص . هـ . قلت : وفيه إشارة إلى حذف الوسائط ، كما هو توحيد المحققين . والله تعالى أعلم . الإشارة : لا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية ، فالوجل والخوف والفرح والحزن والتعجب والاستعظام للأشياء الغريبة ، كل ذلك من وصف البشر ، يقع من الخصوص وغيرهم ، لكن فرق بين خاطر وساكن ، فالخصوص تهجم عليهم ولا تثبت ، بخلاف العموم . ويؤخذ من الآية : أن صحبة الخصوص لا تنفع إلا مع الاعتقاد والتعظيم ، فإنَّ امرأة نبي الله لوط كانت متصلة به حساً ، ومصاحبة له ، ولم ينفعها ذلك ، حيث لم يكن لها فيه اعتقاد ولا تعظيم . وكذلك صحبة الأولياء : لا تنفع إلا مع صدق والتعظيم . وقول ابن عطاء الله : سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه . ولم يوصل إليهم إلا من اراد أن يوصله إليه " : مقيد بوصول التعظيم والاعتقاد ، والاستماع والاتباع . والله تعالى أعلم . ثمَّ ذكر قصة هلاك قوم لوط