Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 85-86)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما } من الكائنات { إلا بالحقِّ } أي إلا خلقاً ملتبساً بالحق ، وهو الدلالة على كمال قدرتنا وباهر حكمتنا ، فمن كمال القدرة : إهلاك أهل الفساد ، ودفع شرورهم وإبطال فسادهم ، ومن باهر حكمته أنه لم يهلكهم إلا بسبب عتوهم وفسادهم . فالحكمة رداء للقدرة ، وترتيبها على أسباب وشروط يدل على باهر الحكمة . ومن مقتضيات الحكمة : ترتيب الجزاء على العمل ، بحيث لا يهمل عملاً ، فأهل الإكرام يترتب إكرامهم وإنعامهم على عملهم الصالح ، واعتقادهم الصحيح ، وما قاسوه من المجاهدة والمكابدة . وأهل الانتقام يترتب منهم على عملهم الفاسد ، واعتقادهم الباطل ، وعلى ما قالوا في الدنيا ، التي هي مزرعة الآخرة ، من الدعة والحظوظ الفانية ، ولذلك رتَّب عليه قوله : { وإنَّ الساعة لآتيةٌ } فيجازي فيها من يستحق الإكرام ، ويعاقب من يستحق الانتقام ، وينتقم لك فيها ممن يكذبونك ، { فاصفح } اليوم { الصفحَ الجميل } ولا تعجل بالانتقام ، وعاملهم معاملة الصفوح الحليم . وكان هذا قبل الأمر بالقتال . { أنَّ ربك هو الخلاق } الذي خلقك وخلقهم ، وبيده أمرك وأمرهم ، { العليمُ } بحالك وبحالهم ، فهو الحقيق بأن تتكل عليه حتى يحكم بينك وبينهم . أو : هو الخلاق لأشباحكم وأرواحكم ، العليم بما هو الأصلح لكم في وقت ، وقد علم أن الصفح اليوم أصلح . والخلاق أبلغ من الخالق باعتبار اللغة ، وأفعال الله تعالى كلها عظيمة كثيرة . الإشارة : ما نصبت لك الكائنات لتراها بعين الفرق ، بل لترى فيها مولاها بعين الجمع . وما جعل لك هذه الدار لتتخذها دار القرار ، وإنما جعلها قنطرة ومعبراً لدار القرار . إنما جعل لك الدنيا الفانية مزرعة للدار الباقية . وإن الساعة لآتية ، فاصبر في هذه الدار اللمحة اليسيرة على شدائد الزمان ، وجفوة الإخوان ، واصفح الصفح الجميل ، حتى ترد النعيم الباقي ، والجزاء الجزيل . وتخلق بأخلاق الحليم الكريم ، إن ربك هو الخلاق العليم ، فلا قدرة لك على شيء إلا بقدرة السميع العليم . ثمَّ أمر بنيه بالغنى بالله وبكلامه عن التطلع إلى زهرة الدنيا