Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 112-113)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { قرية } : بدل من : { مثلاً } . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وضرب اللهُ مثلاً } ، ثم فسره بقوله : { قريةً } : مكة ، وقيل : غيرها . { كانت آمنة } من الغارات ، لا تُهَاجُ ، { مطمئنة } لا تحتاج إلى الانتقال عند الضيق أو الخوف ، { يأتيها رزقها } : أقواتها { رغدًا } : واسعًا { من كل مكان } من نواحيها ، { فكفرتُ بأنعُم الله } بطرت بها ، أو بنبي الله ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، { فأذاقها اللهُ لباسَ الجوع والخوف } ، استعار الذوق لإدراك أثر الضرر ، واللباس لِمَا غشيهم واشتمل عليهم من الجوع والخوف ، أما الإذاقة فقد كثر استعمالها في البلايا حتى صارت كالحقيقة ، وأما اللباس فقد يستعيرونه لما يشتمل على الشيء ويستره يقول الشاعر : @ غَمْرُ الرِّدَاءِ إِذَا تَبَسَّمَ ضَاحِكًا غَلِقَتْ لِضحكَتِهِ رِقَابُ المَالِ @@ فقد استعار الرداء للمعروف ، فإنه يصون عِرْضَ صاحبه صون الرداء لما يلقى عليه ، والمعنى : أنهم لما كفروا النعم أنزل الله بهم النقم ، فأحاط بهم الخوف والجوع إحاطة الثوب بمن يستتر به ، فإن كانت مكة ، فالخوف من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم وغاراته عليهم ، وإن كان غيرها ، فمن كل عدو ، وذلك بسبب ما كانوا يصنعون من الكفر والتكذيب . { ولقد جاءهم رسولٌ منهم } ، يعني : محمدًا صلى الله عليه وسلم ، والضمير لأهل مكة . عاد إلى ذكرهم بعد ذكر مثَلِهم . { فكذَّبوه فأخذهم العذاب } : الجوع والقحط ، ووقعة بدر ، { وهم ظالمون } ملتبسون بالظلم ، غير تائبين منه . والله تعالى أعلم . الإشارة : ضرب الله مثلاً قلبًا كان آمنًا مطمئنًا بالله ، تأتيه أرزاق العلوم والمواهب من كل مكان ، فكفر نعمة الشيخ ، وخرج من يده قبل كماله ، فأذاقه الله لباس الفقر بعد الغنى بالله ، والخوف من الخلق ، وفوات الرزق ، بعد اليقين بسبب ما صنع من سوء الأدب وإنكار الواسطة ، ولو خرج إلى من هو أعلى منه لأن من بان فضله عليك وجبت خدمته عليك ، ومن رزق من باب لزمه . وهذا أمر مُجرب عند أهل الذوق بالعيان ، وليس الخبر كالعيان ، هذا إن كان أهلاً للتربية ، مأذونًا له فيها ، جامعًا بين الحقيقة والشريعة ، وإلا انتقل عنه إلى من هو أهل لها ، وبالله التوفيق . ثم أمر بالشكر الذي هو قيد النعم