Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 56-60)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الضمير في { يجعلون } للكفار ، وفي { يعملون } لهم ، أو للأصنام . و { لهم ما يشتهون } : يجوز أن يكون { ما يشتهون } مبتدأ ، وخبره : { لهم } ، وأن يكون مفعولاً بفعل مضمر ، أي : ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون ، وأن يكون معطوفًا على البنات ، وهذا منعه البصريون لاتحاد الفاعل والمفعول ، وهو الواو ، وضمير لهم في الغيبة ، فلا يقال : زيد ضربه ، وإنما يقال : ضرب نفسه ، ولا يقال : أنا ضربتني ، ويجوز ذلك في أفعال القلوب . وقال البيضاوي : ولا يبعد تجويزه في المعطوف ، كما في الآية . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ويجعلون } أي : كفار العرب { لما لا يعلمون } إلاهيتهم ببرهان ولا حجة ، وهم الأصنام . أو : لِمَا لا علم لهم من الجمادات التي يعبدونها ، { نصيبًا مما رزقناهم } من الزرع والأنعام ، بقولهم : هذا لله وهذا لشركائنا ، { تالله لتُسألُنَّ } سؤال توبيخ وعتاب { عما كنتم تفترون } من أنها آلهة بالتقرب إليها ، أو عما كنتم تفترون على الله من أنه أَمَرَكم بذلك . { ويجعلون لله البنات } من قولهم : الملائكة بنات الله ، وكانت خزاعة وكنانة يقولون ذلك . { سبحانه } تنزيهًا له عن ذلك ، { ولهم ما يشتهون } أي : ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون ، وهم البنون ، والمعنى : أنهم يجعلون لله البنات التي يكرهونها - وهو منزه عن الولد - ، ويختارون لأنفسهم ما يشتهون من الذكور . { وإذا بُشِّرَ أحدُهم بالأنثى } أي : أُخبر بولادتها عنده ، { ظلّ } أي صار { وجههُ مُسودًّا } : متغيرًا تغير مغتم من الكآبة والحياء من الناس ، { وهو كظيم } : ممتلئ غيظًا ، { يتوارى } يختفي { من القوم } أي : من قومه حياء منهم ، { من سوء ما بُشِّرَ به } من قُبِح المبشر به ، متفكرًا في نفسه ، { أيُمسكُه على هُونٍ } أي : يتركه ، عنده ، على ذل وهوان ، { أم يَدُسه في التراب } أي : يخفيه فيه ويئده ، وهي : الموؤودة ، وتذكير الضمير للفظ " ما " ، { ألاَ ساءَ } : بئس { ما يحكمُون } حكمهم هذا حيث نسبوا لله تعالى البنات ، التي هي عندهم بهذا المحل . { للذين لا يؤمنون بالآخرة مَثَلُ السَّوْءِ } أي : صفة السوء ، وهي : الحاجة إلى الولد المنادية بالموت ، واستبقاء الذكور استظهارًا بهم ، وكراهة البنات ووأدهن خشية الإملاق ، { ولله المثَلُ الأعلى } أي : الصفة العليا ، وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق ، والجود الفائق ، والنزاهة عن صفات المخلوقين ، والوحدانية في الذات والصفات والأفعال . وقال الأزهري : المثل الأعلى ، أي : التوحيد والخلق والأمر ، ونفى كل إله سواه . ويتَرجم عن هذا كله بقول : " لا إله إلا الله " . هـ . { وهو العزيز } في ملكه ، { الحكيم } في صنعه ، أي : المنفرد بكمال القدرة والحكمة ، فالقدرة مُظهرة للأشياء في أوقاتها ، والحكمة تسترها برداء أسبابها وشروطها . والله تعالى أعلم . الإشارة : ينبغي لأهل التوحيد الكامل أن يتنزهوا عن شبهة الشرك في أعمالهم وأموالهم ، فلا يشركون فيما رزقهم الله ، من الأموال ، أحدًا من المخلوقين ، يجعلون لهم نصيبًا في أموالهم ، على قصد الحفظ ، أو إصلاح النتاج ، كما تفعله العامة مع الصالحين ، فإن ذلك مما يقدح في صفاء التوحيد إذ لا فاعل سواه . وقوله تعالى : { وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى … } الآية ، فيه ذم وتهديد لمن يكره البنات ، وينقبض من زيادتهن لأن فيه نزغة من فعل الجاهلية ، بل ينبغي إظهار البسط والبرور بهن أكثر من الذكور ، ولا شك أن النفقة عليهن أكثر ثوابًا من الذكور ، وفي الحديث : " مَنِ ابْتُلِيَ بهذه البَنَاتِ ، فأحْسَنَ إليْهِنَّ ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّار " إلى غير ذلك من أحاديث كثيرة تُرغب في الإحسان إليهن . والله تعالى أعلم . ثمَّ ذكر حكمة امهاله تعالى للكفار فقال : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ … }