Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 84-89)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { تبيانًا } : حال من الكتاب ، وهو مصدر ، قال في القاموس : والتبيان : مصدر شاذ . وفي ابن عطية : والتبيان : اسم ، لا مصدر . والمصادر في مثله مفتوحة ، كالترداد والتكرار . هـ . وقال في الصحاح : لم يجيء على الكسر إلا هذا ، والتِّلقاء . هـ . يقول الحقّ جلّ جلاله : { و } اذكر { يومَ نبعثُ من كل أمة } من الأمم { شهيدًا } أي : رسولاً يشهد لها أو عليها ، بالإيمان أو بالكفر ، وهو يوم القيامة ، { ثم لا يُؤْذَنُ للذين كفروا } في الاعتذار إذ لا عذر لهم . أو : في الرجوع إلى الدنيا . وعبَّر بثم لزيادة ما يحيق بهم من شدة المنع من الاعتذار ، مع ما فيه من الإقناط الكلي . { ولا هم يُستعتَبون } : لا يطلب منهم العتبى ، أي : الرجوع إلى ما يرضي الله . والمعنى : أنهم لا يؤذن لهم في الاعتذار عما فرطوا فيه مما يرضي الله ، ولا يطلب منهم الرجوع إلى تحصيله . { وإذا رأى الذين ظلموا } : كفروا { العذاب } : جهنم { فلا يُخفف عنهم } العذابُ { ولا هم يُنظرون } يُمهلون عنه إذا رأوه . { وإذا رأى الذين أشركوا شركاءَهم } : أوثانهم التي دعوها شركاء الله ، أو الشياطين الذين شاركوهم في الكفر بالحمل عليه ، { قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعُو من دونك } أي : نعبدهم ونطيعهم من دونك . وهو اعتراف بأنهم كانوا مخطئين في ذلك . { فأَلْقَوا إليهم القولَ } قالوا لهم : { إنكم لكاذبون } أي : أجابوا بالتكذيب في أنهم شركاء الله ، أو أنهم عبدوهم حقيقة ، وإنما عبدوا أهواءهم كقوله : { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } [ مريَم : 82 ] ، وقوله : { مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } [ القَصَص : 63 ] ، أو لأنهم ، لما كانوا غير راضين بعبادتهم ، فكأن عبادتهم لم تكن لهم . { وألْقَوا إلى الله يومئذ السَّلم } أي : الاستسلام ، أي : استسلموا لحكمه { يومئذ } ، بعد أن تكبروا عنه في الدنيا ، ولا ينفع يومئذ ، { وضلّ عنهم } أي : غاب وضاع وبطل { ما كانوا يفترون } من أن آلهتهم تنصرهم وتشفع لهم . { الذين كفروا وصدُّوا } الناس { عن سبيل الله } بالمنع من الإسلام ، والحمل على الكفر ، { زدناهم عذابًا } بصدهم ، { فوق العذابِ } المستحق بكفرهم . قال ابن مسعود : " عقارب ، أنيابها كالنخل الطوال ، تلسعهم " . وعن عبيد بن عمير : عقارب كالبغال الدُّلْم - أي : السود جدًا - ، والأدلم : الشديد السواد . وذلك العذاب { بما كانوا يُفسدون } أي : بكونهم مفسدين بصدهم عما فيه صلاح العالم . { و } اذكر أيضًا : { يومَ نبعثُ في كل أمةٍ شهيدًا عليهم من أنفسهم } يعني : نبيهم فإنَّ نبي كل أمة بعث منها . { وجئنا بك } يا محمد { شهيدًا على هؤلاء } على أمتك ، أو على هؤلاء الشهداء ، { ونزَّلنا عليك الكتابَ } : القرآن { تبيانًا } بيانًا بليغًا { لكل شيءٍ } من أمور الدين على التفصيل ، أو الإجمال بالإحالة على السنة أو القياس . { وهُدىً } من الضلالة ، { ورحمة } بنور الهداية لجميع الخلق . وإنما حُرم المحروم لتفريطه ، { وبُشرى } بالجنة ، وغيرها ، { للمسلمين } الموحدين خاصة . وبالله التوفيق . الإشارة : قد بعث الله في كل دهر وعصر شهيدًا يشهد على أهله ، ويكون حجة عليهم يوم القيامة ، وهم صنفان : صنف يشهد على من فرط في أحكام الشريعة ، وهم : العلماء الأتقياء ، وصنف يشهد على من فرط في أسرار الحقيقة ، وهم : الأولياء الكبراء ، أعني : العارفين بالله ، فمن فرط في شيء منهما قامت عليه الحجة فإذا اعتذر لا ينفعه ، وإذا طلب الرجوع لا يجده ، وإذا أحاط به عذاب الحجاب لا ينفك عنه . وكل من أحب شيئًا من دون الله ، تبرأ منه يوم القيامة ، وكل من أنكر الخصوصية على أولياء زمانه ، وصد الناس عنه تضاعف عذابه ، وكثف حجابه يوم القيامة . والله تعالى أعلم . ولما ذكر أن القرآن تبيان كل شيء ذكر آية تضمنت أصول الاحكام