Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 90-90)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { إنَّ الله يأمر بالعدل } أي : التوحيد ، أو الإنصاف ، أو فعل الفرائض ، { والإحسانِ } ، وهو : فعل المندوبات . وذلك في حقوق الله تعالى ، وفي حق عباده ، أو العدل في الأحكام ، كل واحد فيما ولي فيه " كلكم راع " . والإحسان إلى عباد الله بَرهم وفَاجرهم . قال ابن عطية : العدل : هو فعل كل مفروض من عقائد وشرائع ، وسير مع الناس في أداء الأمانات ، وترك الظلم ، والإنصاف ، وإعطاء الحق . والإحسان هو : فعل كل مندوب إليه . وقال البيضاوي : { إن الله يأمر بالعدل } : بالتوسط في الأمور اعتقادًا ، كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك ، والقول بالكسب ، المتوسط بين محض الجبر والقدر ، وعملاً ، كالتعبد بأداء الواجبات ، المتوسط بين البطالة والترهب ، وخُلُقًا ، كالجود المتوسط بين البخل والتبذير ، والإحسان : إحسان الطاعات ، وهو إما بحسب الكمية ، كالتطوع بالنوافل ، أو بحسب الكيفية ، كما قال - عليه الصلاة والسلام - : " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " { وإيتاء ذي القربى } : وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه ، وهو تخصيص بعد تعميم للمبالغة . { وينهى عن الفحشاء } : عن الإفراط في متابعة القوة الشهوية ، كالزنى فإنه أقبح أحوال الإنسان وأشنعها ، { والمنكر } : ما ينكر على متعاطيه في إيثاره القوة الغضبية ، { والبغي } : الاستعلاء والاستيلاء على الناس ، والتجبر عليهم ، فإنها الشيطنة التي هي مقتضى القوة الوهمية ، ولا يوجد من الإنسان شر إلا وهو مندرج في هذه الأقسام ، صادر بتوسط إحدى هذه القوى الثلاث ، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه : " هي أجمع آية في القرآن للخير والشر " . وصارت سبب إسلام عثمان بن مظعون ، فلو لم يكن في القرآن غير هذه الآية لصدق عليه أنه تبيان لكل شيء ، وهدى ورحمة للعالمين ، ولعل إيرادها عقب قوله : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء } للتنبيه عليه . هـ . وفي القوت : هي قطب القرآن . هـ . وعن عثمان بن مظعون : أنه قال : لَمَّا نزلت هذه الآية قرأتُها على أبي طالب ، فعجب ، وقال : آلَ غالبٍ ، اتبعوه تُفلحوا ، فوالله إن الله أرسله ليأمر بمكارم الأخلاق . هـ . قال ابن عطية : { وإيتاء ذي القربى } : لفظ يقتضي صلة الرحم ، ويعم جميع إسداء الخير إلى القرابة ، وتركه مبهمًا أبلغ لأن كل من وصل في ذلك إلى غاية - وإن علت - يرى أنه مقصر ، وهذا المعنى المأمور به في جانب ذي القربى داخل تحت العدل والإحسان ، لكنه تعالى خصه بالذكر اهتمامًا به وحضًا عليه . هـ . { يَعِظُكُم } بما ذكر من التمييز بين الأمر والنهي ، والخير والشر ، { لعلكم تذكَّرون } : تتعظون فتنهضون إلى ما أمرتكم به وندبتكم إليه ، وتنكفوا عما نهيتكم عنه وحذرتكم منه . الإشارة : { إن الله يأمر بالعدل } بالتوسط في الأمور كلها ، كالتوسط في السير والمجاهدة فإن الإسراف يوقع في الملل ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " لا يكن أحدكم كالمنبت لا أرضًا قطع ، ولا ظهرًا أبقى " وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا : " إنَّ اللهَ لا يملَ حتى تَملوا " والله ما رأيت أحداً أسرف في الأحوال فوصل إلى ما قصد ، إلا النادر ، وخير الأمور أوسطها . ويأمر بالإحسان ، وهو : مقام الشهود والعيان . { وإيتاء ذي القربى } قرابة الدين ، وهم : الإخوان في الله ، ما يستحقونه من النصح والإرشاد ، { وينهى عن الفحشاء } : الركون لغير الله ، { والمنكر } : التكبر على عباد الله ، { والبغي } : ظلم أحد من خلق الله ، من الفيل إلى الذرة . وقال في الإحياء : بين التبذير والإقتار المذمومين وسط ، وهو المحمود المأمور به ، والواجب منه شيئان : واجب بالشرع ، وواجب بالمروءة . والسخي هو الذي لا يمنع واجب الشرع ولا واجب المروءة ، فإن منع واحدًا منهما فهو بخيل ، كالذي يمنع أداء الزكاة ، ويمنع أهله وعياله النفقة ، أو يؤديها لا بطيب نفسه ، بل بتكلف ، ومشقة . وكالذي يتيمم الخبيث من ماله ، ولا يعطي من أطيبه وأوسطه ، فهذا كله بُخل . وأما واجب المروءة فهو : ترك المضايفة والاستقصاء في المحقرات ، وذلك يختلف فيستقبح من الغني ما لا يستقبح من الفقير ، ويستقبح من الرجل مع أقاربه ما لا يستقبح مع الأجانب ، وكذلك الجار والمماليك والضيف . هـ . وقال الورتجبي : إن الله تعالى دعا عباده إلى الاتّصاف بصفته ، منها : العدل والإحسان والشفقة والرحمة ، والقدس ، والطهارة عما لا يليق به . فهو العادل والمحسن ، والرحمن الرحيم ، غير ظالم جائر ، وهو مُنزه عن جميع العلل ، فمن كُسِي أنوار هذه الصفات ، بنعت الذوق والمباشرة ، واستحلى تربيتها يخرج عادلاً محسنًا ، رؤوفًا رحيمًا ، طاهرًا مطهرًا ، صادقًا مصدقًا ، وليًا ، حبيبًا محبوبًا ، مريدًا مرادًا ، مُراعَى محفوظًا ، يعدل بنفسه فيدفعها عن الشك والشرك ، ورؤية الغير وطلب العوض في العبودية ، ويأخذ منها الإنصاف بينها وبين عباد الله ، ويحسن إلى من أساء إليه ، ويعبد الله بوصف الرؤية وشهود غيبه ، ويراعي ذوي القرابة ، في المعرفة والمحبة من المريدين والصادقين ، ويرحم الجهال من المسلمين ، وينهى نفسه عن مباشرة فواحش الأنانية ، ومباشرة الهوى والشهوة ، ويدفعها عن الظلم باستكباره عن العبودية ، ويأمرها بإذعانها عند تراب أقدام أولياء الله لتكون مطمئنة في عبودية الحق ، ذاكرة لسلطان ربوبيته ، وقهر جبروته وملكوته وإحاطته بكل ذرة ، وفناء الخليقة في حقيقته . هـ . ومن مكارم الأخلاق الداخلة تحت العدل الوفاء بالعهد