Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 97-97)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { مَن عَمِلَ صالحًا } بأن صحبه الإخلاص ، وتوفرت فيه شروط القبول ، { من ذَكَرٍ أو أنثى وهو مؤمن } إذ لا اعتداد بأعمال الكفرة في استحقاق الثواب ، وإنما المتوقع عليها تحقيق العقاب ، { فلنحيينَّهُ حياة طيبةً } في الدنيا ، بالقناعة والكفاية مع التوفيق والهداية . قال البيضاوي : يعيش عيشًا طيبًا ، فإنه ، إن كان موسرًا ، فظاهر ، وإن كان معسرًا يطيبُ عيشه بالقناعة ، والرضا بالقسمة ، وتوقع الأجر العظيم ، بخلاف الكافر ، فإنه ، إن كان معسرًا فظاهر ، وإن كان موسرًا لم يدعه الحرص وخوف الفوات أن يهنأ بعيشه ، وقيل : في الآخرة ، أي : في الجنة . هـ . { ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } من الطاعة ، فيجازيهم على الحسن بجزاء الأحسن . وبالله التوفيق . الإشارة : الحياة الطيبة إنما تتحقق بكمالها عند أهل التجريد حيث انقطعت عنهم الشواغل في الظاهر ، والعلائق في الباطن ، فاطمأنت قلوبهم بالله ، وسكنت أرواحهم في حضرة الله ، وتحققت أسرارهم بشهود الله ، فدام سرورهم ، واتصل حبورهم بحلاوة معرفة محبوبهم ، وهذه نتيجة شرب الخمرة الأزلية ، كما قال ابن الفارض في مدحها : @ وإنْ خَطَرَتْ يومًا على خاطرِ امرىءٍ أقامتْ به الأفراحُ وارتحلَ الهمّ @@ هذا في الخطور ، فما بالك بالسكون ودوام الحضور ؟ وقال أيضًا في شأنها : @ فما سكنَتْ والهمّ يومًا بموضع كذلك لا يسكُنْ مع النَّغَم الغَم @@ وإنما تحقق لهم هذا الأمر العظيم لرسوخ قدمهم في مقام الإحسان ، وسكونهم في جنة العرفان ، فَهَبَّ عليهم نسيم الرضا والرضوان ، وترقت أرواحهم إلى مقام الروح والريحان ، فقلوبهم بحار زاخرة لا تكدرها الدلاء ، وأرواحهم أنوار ساطعة لا يؤثر فيها ليل القبض والابتلاء ، وأسرارهم بأنوار المواجهة مشرقة ، فدام سرورها بكل ما يبرز من عنصر القضاء . والحاصل : أن أهل هذا المقام عندهم من الإكسير والقوة ما يقلبون به الأعيان ، فيقلبون الشرِّيات خيريات ، والمعاصي طاعات ، والإساءة إحسانًا ، والجلال جمالاً … وهكذا ، فأَنَّى تغير قلوبَ هؤلاء الأكدارُ ؟ وأنى تنزل بساحتهم الأغيارُ ، وهم في حضرة الكريم الغفار ؟ نفعنا الله بذكرهم ، وخرطنا في سلكهم ، آمين . ومن جملة الحياة الطيبة التنعم بحلاوة القرآن ولا يتحقق ذلك إلاَّ بالبعد والحفظ من خوض الشيطان