Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 98-100)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { فإِذا قرأتَ القرآنَ } أردت قراءته ، كقوله : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } [ المَائدة : 6 ] ، { فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } أي : فسل الله أن يعيذك من وسواسه لئلا يوسوسك في القراءة ، فيحرمك حلاوة التلاوة فإنه عدو لا يحب لابن آدم الربح أبدًا ، والجمهور على أنه مستحق عند التلاوة ، وعن عطاء : أنه واجب . ومذهب مالك : أنه لا يتعوذ في الصلاة . وعند الشافعي وأبي حنيفة : يتعوذ في كل ركعة تمسكًا بظاهر الآية لأن الحكم المرتب على شرط يتكرر بتكرره ، وأخذ مالك بعمل أهل المدينة في ترك التعوذ في الصلاة . وهو تابع للقراءة في السر والجهر ، وعن ابن مسعود : قرأتُ على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، فقال : " قل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " . ثم قال تعالى : { إِنه ليس له سلطانٌ } أي : تسلط وولاية { على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } أي : لا تسلط له على أولياء الله المؤمنين به ، والمتوكلين عليه ، فإنهم لا يطيعون أوامره ، ولا يصغون إلى وساوسه ، إلا فيما يحتقر ، على ندور وغفلة . { إِنما سلطانه } أي : تَسَلُّطُهُ { على الذين يتولونه } : يحبونه ويطيعونه ، { والذين هم به } أي : بالله ، أو : بسبب الشيطان ، { مشركون } حيث حملهم على الشرك فأطاعوه . الإشارة : الاستعاذة الحقيقية من الشيطان هي : الغيبة عنه في ذكر الله أو شهوده ، فلا ينجح في دفع الشيطان إلا الفرار منه إلى الرحمن . قال تعالى : { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } [ الذَّاريات : 50 ] . فإن الشيطان كالكلب ، كلما اشتغلت بدفعه قوي نبحه عليك ، فإما أن يخرق الثياب ، أو يقطع الإهاب ، فإذا رفعت أمره إلى مولاه كفه عنك . وقد قال شيخ شيوخنا سيدي علي الجمل رضي الله عنه : عداوة العدو حقًا هو اشتغالك بمحبة الحبيب حقا ، وأما إذا اشتغلت بعداوة العدو ، فاتتك محبة الحبيب ، ونال مراده منك . هـ . فالعاقل هو الذي يشتغل بذكر الله باللسان ، ثم بالقلب ، ثم بالروح ، ثم بالسر ، فحينئذ يذوب الشيطان ولا يبقى له أثر قط ، أو يذعن له ويسلم شيطانه ، فإنما حركه عليك ليوحشك إليه . وفي الحكم : " إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك ، فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده " . فإذا تعلقْتَ بالقوي المتين ، هرب عنك الشيطان اللعين . وسيأتي مزيد كلام إن شاء الله عند قوله تعالى : { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ … } [ فَاطِر : 6 ] الآية . وبالله التوفيق . ومن أقبح وسوسة الشيطان الطعن في القرآن كما أنان ذلك الحق