Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 101-104)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : قال في الأساس : ثبره الله : أهلكه هلاكًا دائمًا ، لا ينتعش بعده ، ومن ثَم يدعو أهلُ النار : واثبوراه . وما ثبرك عن حاجتك : ما ثبطك عنها . وهذا مثبَرُ فلانة : لمكان ولادتها ، حيث يثبرها النفاس . وفي القاموس : الثبر : الحبْسُ والمنع ، كالتثبير والصرف عن الأمر وعن الحبيب ، واللعن والطرد . والثبور : الهلاك والويل والإهلاك . هـ . و { إذا جاءهم } : إما متعلق بآياتنا ، أو بقلنا محذوف . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بيناتٍ } واضحات الدلالة على نبوته ، وصحة ما جاء به من عند الله . وهي : العصا ، واليد ، والجراد ، والقُمل ، والضفادع ، والدم ، والطوفان ، والسنون ، ونقص الثمرات . وقيل : انفجار الماء من الحجر ، ونتق الطور ، وانفلاق البحر ، بدل الثلاث . وفيه نظر فإن هذه الثلاث لم تكن لفرعون ، وإنما كانت بعد خروج سيدنا موسى عليه السلام . وعن صفوان بْن عسال : أن يهوديًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال : " ألاَّ تُشْرِكُوا به شَيْئًا ، ولا تَسْرقُوا ، ولا تَزْنُوا ، ولا تَقْتُلُوا النَّفس التِي حَرَّم اللهُ إلاَّ بالحَقِّ ، ولا تَسْحُروا ، ولا تأكُلُوا الرِّبَا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سُلْطَانٍ ليَقْتُلَهُ ، ولا تَقذفُوا المُحْصَنَة ، ولا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ ، وعليكم ، خاصَّة اليهود ، ألاَّ تَعْدُوا في السَّبْتِ " فقبَّل اليهوديُ يَدَه ورجْلَه - عليه الصلاة والسلام . قلت : ولعل الحق تعالى أظهر لهم تسعًا ، وكلفهم بتسع ، شكرًا لما أظهر لهم ، فأخبر - عليه الصلاة والسلام - السائل عما كلفهم به لأنه أهم ، وسكت عما أظهر لهم لأنه معلوم . وإنما قبَّل السائلُ يده لموافقته لما في التوراة ، وقد علم أنه ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالوحي ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " وعليكم ، خاصة اليهود ، ألا تعدوا " ، حكم مستأنف زائد على الجواب ، ولذلك غيَّر فيه سياق الكلام . قال تعالى : { فسلْ بني إسرائيل } أي : سل ، يا محمد ، بني إسرائيل المعاصرين لك عما ذكرنا من قصة موسى لتزداد يقينا وطمأنينة ، أو : ليظهر صدقك لعامة الناس ، أو : قلنا لموسى : سل بني إسرائيل مِن فرعون ، أي : اطلبهم منه ليرسلَهم معك ، أو سل بني إسرائيل أن يعضدوك ويكونوا معك . ويؤيد هذا : قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم " فَسَال " على صيغة الماضي ، بغير همز ، وهي لغة قريش . { إِذْ جاءهم } أي : آتينا موسى تسع آيات حين جاءهم بالرسالة ، أو قلنا له : سل بني إسرائيل حين جاءهم بالوحي . { فقال له فرعونُ } حين أظهر له ما آتيناه من الآيات ، وبلغة ما أرسل به : { إِني لأظنك يا موسى مسحورًا } أي : سُحرت فتخبط عقلك . { قال } له موسى : { لقد علمتَ } يا فرعون ، { ما أنزل هؤلاء } الآيات التي ظهرت على يدي { إِلا ربُّ السماوات والأرض } خالقهما ومدبرهما ، ولا يقدر عليها غيره ، حال كونها { بصائرَ } بينات تبصرك صدقي ، ولكنك تعاند وتكابر ، وقد استيقنتها أنفسكم ، فجحدتم ظلمًا وعلوًا ، { وإِني لأظنك يا فرعونُ مثبورًا } أي : مهلكًا مقطوعًا دابرك ، أو مغلوبًا مقهورًا ، أو مصروفًا عن الخير . قابل موسى عليه السلام قول فرعون : { إِني لأظنك يا موسى مسحورًا } بقوله : { وإني لأظنك يا فرعون مثبورًا } وشتان ما بين الظنين ظنُّ فرعون إفك مبين ، وظن موسى حق اليقين لأنه بوحي من رب العالمين ، أو من تظاهر أماراته . { فأراد فرعون أن يستفزهم } أي : يستخفهم ويزعجهم { من الأرض } أرض مصر ، { فأغرقناه ومَنْ معه جميعًا } فعكسنا عليه علمه ومكره ، فاستفززناه وقومه من بلده بالإغراق . { وقلنا من بعده } من بعد إغراقه { لبني إسرائيل اسكنُوا الأرضَ } التي أراد أن يستفزكم هو منها . أو أرض الشام . وهو الأظهر ، إذ لم يصح أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بالسكنى . وانظر عند قوله : { وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الشُّعَرَاء : 59 ] { فإِذا جاء وعد الآخرة } أي : الحياة الآخرة ، أو الدار الآخرة ، أي : قيام الآخرة ، { جئنا بكم لفيفًا } مختلطين إياكم وإياهم ، ثم نحكم بينكم ونميز سعداءكم من أشقيائكم . واللفيف : الجماعات من قبائل شتى . والله تعالى أعلم . الإشارة : لا ينفع في أهل الحسد والعناد ظهور معجزة ولا آية ، ولا يتوقف عليها من سبقت له العناية ، لكنها تزيد تأييدًا ، وطمأنينة لأهل اليقين ، وتزيد نفورًا وعنادًا ، لأهل الحسد من المعاندين . وبالله التوفيق . ولما ذكر آية موسى ذكر آية نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وهو القرآن