Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 99-100)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { وجعل } : عطف على " قادر " لأنه في قوة قدر ، أو استئناف . و { لو أنتم } : الضمير : فاعل بفعل يفسره ما بعده ، كقول حاتم : @ لَوْ ذَاتُ سِوَارٍ لَطَمَتْني @@ وفائدة ذلك الحذف والتفسير للدلالة على الاختصاص والمبالغة . وقيل في إعرابه غير هذا . يقول الحقّ جلّ جلاله : { أوَ لم يَروا } أي : أوَ لم يتفكروا ولم يعلموا { أنَّ الله الذي خلق السماواتِ والأرضَ } من غير مادة ، مع عِظمها ، { قادرٌ على أن يخلق مثلهم } في الصِّغر والحقارة . على أن المثل مقحم ، أي : على أن يخلقهم خلقًا جديدًا فإنهم ليسوا أشد خلقًا منهم ، ولا الإعادة بأصعب من الإبداء ، { وجعل لهم } أي : لموتهم وبعثهم { أجلاً } محققًا { لا ريب فيه } وهو : القيامة . { فأبى الظالمون إِلا كفورًا } إلا جحودًا ، وضع الظاهر موضع الضمير تسجيلاً عليهم بالظلم وتجاوز الحد فيه . { قلْ } لهم : { لو أنتم تملكونَ خزائنَ رحمةِ ربي } خزائن رزقه وسائر نعمه التي أفاضها على كافة الموجودات ، { إِذًا لأمْسَكْتُم } لبخلتم ، { خشيةَ الإِنفاق } مخافة النفاد بالإِنفاق ، إذ ليس في الدنيا أحد إلا وهو يختار النفع لنفسه ، ولو آثر غيره بشيء فإنما يُؤثره لغرض يفوقه ، فهو إذًا بخيل بالإضافة إلى وجود الله سبحانه ، إلا من تخلق بخلق الرحمن من الأنبياء وأكابر الصوفية . { وكان الإِنسانُ قَتورًا } مبالغًا في البخل لأن مبني أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه ، وملاحظة العوض فيما يبذل . يعني : أن طبع الإنسان ومنتهى نظره : أن الأشياء تتناهى وتفنى ، وهو لو ملك خزائن رحمة الله لأمسك خشية الفقر ، وكذلك يظن أن قدرة الله تقف دون البعث ، والأمر ليس كذلك ، بل قدرته لا تتناهى ، فهو يخترع من الخلق ما يشاء ، ويخترع من الأرزاق ما يريد ، فلا يخاف نفاد خزائن رحمته . وبهذا النظر تتصل الآية بما قبلها . انظر ابن عطية . قلت : ويمكن أن تتصل في المعنى بقوله : { أَبعثَ اللهُ بشرًا رسولاً } ، فكأنَّ الحق تعالى يقول لهم : لو كانت بيدكم خزائن رحمته ، لخصصتم بالنبوة من تريدون ، لكن ليست بيدكم ، ولو كانت بيدكم تقديرًا ، لأمسكتم خشية الإنفاق لأن طبع الإنسان البخل وخوف الفقر ، فهو كقوله تعالى : { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } [ ص : 9 ] ، بعد قوله : { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ } [ ص : 4 ] . والله تعالى أعلم . الإشارة : الحق تعالى قادر على أن يخلق ألف عالمَ في لحظة ، وأن يفنى ألف عالم في لحظة ، فلا يعجزه شيء من الممكنات . وكما قدر أن يحيي الإنسان بعد موته الحسي هو قادر على أن يحييه بعد موته المعنوي بالجهل والغفلة ، على حسب ما سبق له في المشيئة ، وجعل لذلك أجلاً لا ريب فيه ، فلا يجحد هذا إلا من كان ظالمًا كفورًا . قل لمن يخصص الولاية بنفسه ، أو بأسلافه ، ويُنكر أن يفتح الله على قوم كانوا جُهالاً : لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذًا لأمسكتم الخصوصية عندكم خشية أن ينفد ما عندكم ، وكان الإنسان قتورًا ، لا يُحب الخير إلا لنفسه . ثمَّ سلَّى رسوله عما اقترحوا عليه من الآيات