Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 11-14)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { دعاءه } : مفعول مطلق . والإضافة في قوله : { آية الليل } و { آية النهار } : بيانية ، أي : فمحونا الآية التي هي الليل ، وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة . وإذا أريد بالآيتين الشمس والقمر تكون للتخصيص ، أي : وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتين ، أو : وجعلنا الليل والنهار ذوي آيتين … الخ ، و { كل شيء } : منصوب بفعل مضمر ، يفسره ما بعده ، وكذا : { وكل إنسان } و { يلقاه منشورًا } : صفتان لكتاب . يقول الحق جلّ جلاله : { ويدعُ الإنسانُ } على نفسه وولده وماله { بالشرِّ } عند الغضب والقنط . { دعاءَهُ بالخير } مثل دعائه بالخير . وهو ذم له يدل على عدم صبره ، وربما وافق وقت الإجابة فيهلك ، { وكان الإِنسانُ عَجُولاً } يُسارع إلى كل ما يخطر بباله ، لا ينظر عاقبته . ويجوز أن يريد بالإنسان الكافر ، وبالدعاء استعجاله بالعذاب استهزاء ، كقول النضر بن الحارث : اللهم انصر خير الحزبين { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ الأنفال : 32 ] الآية . وقيل : المراد بالإنسان : آدم عليه السلام ، فإنه لما انتهى الروح إلى سُرَّته ذهب ليقوم ، فسقط ، وهو بعيد . فإذا نزلت بالإنسان قهرية فلا يقنط ولا يستعجل ، فإنَّ وقت الفرج محدود ، فالليل والنهار مطيتان ، يُقربان كل بعيد ، ويبليان كل جديد ، ويأتيان بكل موعود . ولذا قال تعالى إثره : { وجعلنا الليلَ والنهارَ آيتين } دالتين على كمال قدرتنا ، وباهر حكمتنا ، يتعاقبان على الإنسان ، يُقربان له كل بعيد ، ويأتيان له بكل موعود . { فمحونا آيةَ الليل } أي : فمحونا الآية التي هي الليل بأن جعلناها مظلمة ، لتسكنوا فيه ، { وجعلنا آية النهار مُبصرةً } أي : مضيئة مشرقة لتبتغوا من فضله ، أو : وجعلنا نيري الليل والنهار آيتين ، وهما : الشمس والقمر ، { فمحونا آية الليل } ، وهو القمر بأن جعلناه أطلس ، لا نور فيه من ذاته ، بل نوره مستمد من نور الشمس ، { وجعلنا آية النهار } ، وهي الشمس { مبصرةً } للناس ، أو مبصرًا فيها بالضوء الذاتي ، { لتبتغوا فضلاً من ربكم } لتطلبوا في بياض النهار أسباب معاشكم ، { ولتعلموا } باختلافهما وبحركتهما ، { عددَ السنينَ والحسابَ } وحساب الأوقات من الأشهر والأيام ، في معاملتكم وتصرفاتكم ، { وكلَّ شيء } تفتقرون إليه في أمر الدين والدنيا { فصَّلناه تفصيلاً } بيَّناه تبيينًا لا لبس فيه ، أو : وكل شيء يظهر في الوجود ، فصّلناه وقدّرناه في اللوح المحفوظ تفصيلاً ، فلا يظهر في عالم الشهادة إلا ما فُصل في عالم الغيب . { وكل إِنسانٍ ألزمناه طائره } أي : حظه وما قُدر له من خير وشر ، فهو لازم { في عُنقه } لا ينفك عنه . ويقال لكل ما لزم الإنسان : قد لزم عنقه . وإنما قيل للحظ المقدر في الأزل من الخير والشر : طائر لقول العرب : جرى لفلان الطائر بكذا من الخير والشر ، على طريق الفأل والطيرة ، فخاطبهم الله بما يستعملون ، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر هو ملزم لأعناقهم ، لا محيد لهم عنه ، كالسلسلة اللازمة للعنق ، يُجر بها إلى ما يُراد منه . ومثله : { أَلآۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّه } [ الأعرَاف : 131 ] ، وقال مجاهد : " ما من مولود يولد إلا في عنقه ورقة ، مكتوب فيها شقي أو سعيد " . أو : وكل إنسان ألزمناه عمله يحمله في عنقه ، { ونُخرج له يوم القيامة كتابًا } مكتوب فيه عمله ، وهو صحيفته . { يلقاه منشورًا } ، ويقال له : { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليومَ عليك حسيبًا } محاسبًا ، لا تحاسبك إلا نفسك ، أو : رقيبًا وشهيدًا علىعملك ، أو : لا يَعُد عليك أعمالك إلا نفسك . والله تعالى أعلم . الإشارة : ينبغي للإنسان أن يكون داعيًا بلسانه ، مفوضًا لله في قلبه ، لا يعقد على شيء من الحظوظ والمآرب ، فقد يدعو بالخير في زعمه ، وهو شر في نفس الأمر في حقه ، وقد يدعو بالشر وهو خير . وقد تأْتيه المضار من حيث يرتقب المسار ، وقد تأتيه المسار من حيث يخاف الضرر { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } . فالتأني والسكون من علامة العقل ، والشَّرَّةُ والعَجَلَة من علامة الحمق . فما كان من قسمتك لا بدّ يأتيك في وقته المقدر له ، وما ليس من قسمتك لا يأتيك ، ولو حرصت كل الحرص . فكل شيء سبق تفصيله وتقديره ، فمن وجد خيرًا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلوم إلا نفسه .