Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 45-49)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أن يفقهوه } : مفعول من أجله ، أي كراهة أن يفقهوه ، و { نفورًا } : مصدر في موضع الحال . والضمير في { به } : يعود على " ما " ، أي : نحن أعلم بالأمر الذي يستمعون به من الاستهزاء والسخرية . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وإِذا قرأتَ القرآنَ } الناطق بالتنزيه والتسبيح ، ودعوتهم إلى العمل بما فيه من التوحيد ، ورفض الشرك ، وغير ذلك من الشرائع ، { جعلنا } بقدرتنا ومشيئتنا المبنية على دواعي الحِكَمِ الخفية { بينَك وبين الذين لا يُؤمنون بالآخرة } ، خَصَّ الآخرة بالذكر من بين سائر ما كفروا به دلالة على أنها معظم ما أمروا بالإيمان به ، وتمهيدًا لما سينقل عنهم من إنكار البعث ، أي : جعلنا بينك وبينهم { حجابًا } يمنعهم عن فهمه والتدبر فيه ، { مستورًا } عن الحس ، خفيًا ، معنويًا ، وهو الران الذي يَسْبَحُ على قلوبهم من الكفر ، والانهماك في الغفلة . أو : ذا ستر ، كقوله : { وَعْدُهُ مَأْتِيًّا } [ مريَم : 61 ] ، أي : آتيًا ، فهو ساتر لقلوبهم عن الفهم والتدبر . نَفَى عنهم فقه الآيات ، بعد ما نفى عنهم فقه الدلالات المنصوبة في الأشياء بيانًا لكونهم مطبوعين على الضلالة ، كما صرح به في قوله : { وجعلنا على قلوبهم أَكِنَّةً } أغطيةً تكنها ، وتحول بينها وبين إدراك الحق وقبوله . فعلنا ذلك بهم كراهة { أنْ يفقهوه } ، { و } جعلنا { في آذانهم وقرًا } ثقلاً وصممًا يمنعهم من استماعه . ولمَّا كان القرآن معجزًا من حيث اللفظ والمعنى ، أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى وإدراك اللفظ . قاله البيضاوي . { وإِذ ذكرتَ ربك في القرآن وحده } أي : واحدًا غير مشفوع به آلهتهم ، { وَلَّوْا على أدبارهم نُفورًا } هَرَبا من استماع التوحيد ، والمعنى : وإذا ذكرت في القرآن وحدانية الله تعالى ، فرَّ المشركون عن ذلك لما في ذلك من رفض آلهتهم وذمها . قال تعالى : { نحن أعلم بما يستمعون به } أي : بالأمر الذي يستمعون به من الاستهزاء ، وكانوا يستمعون القرآن على وجه الاستهزاء ، { وإِذْ هم نجوى } أي : ونحن أعلم بغرضهم ، حين همَّ جماعة ذات نجوى ، يتناجون بينهم ويخفون ذلك . ثم فسر نجواهم بقوله : { إذْ يقول الظالمون } ، وضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على أن تناجيهم بقولهم هذا محض ظلم ، أي : إذ يقولون : { إِن تتبعون إِلا رجلاً مسحورًا } مجنونًا قد سُحر حتى زال عقله . { انظر كيف ضربوا لك الأمثال } ، مثلوك بالساحر ، والشاعر ، والكاهن ، والمجنون ، { فضلُّوا } عن الحق في جميع ذلك ، { فلا يستطيعون سبيلاً } إلى الهدى ، أو إلى الطعن فيما جئتَ به بوجه فهم يتهافتون ، ويخبطون ، كالمتحير في أمره لا يدري ما يفعل . ونزلت في الوليد بن المغيرة وأصحابه من الكفار . { وقالوا أئذا كنا عظامًا ورُفاتًا أئنا لمبعوثون خلقًا جديدًا } ، أنكروا البعث ، واستبعدوا أن يجعلهم خلقًا جديدًا ، بعد فنائهم وجعلهم ترابًا . والرفات : الذي بلي ، حتى صار غبارًا وفتاتًا . و " أئذا " : ظرف ، والعامل فيه : ما دل عليه قوله : { لمبعوثون } ، لا نفسه لأن ما بعد " إن " والهمزة ، لا يعمل فيما قبله ، أي : أنُبعث إذا كنا عظامًا … الخ . والله تعالى أعلم . الإشارة : قد تقدم في سورة " الأنعام " تفسير الأكنة التي تمنع من فهم القرآن والتدبر فيه ، والتي تمنع من الشهود والعيان ، فراجعه ، إن شئت . وفي الآية تسلية لمن أوذي من الصوفية فرُمِيَ بالسحر أو غيره . وبالله التوفيق . ثمَّ أمر نبيه بالجواب كما أنكروه من البعث