Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 60-60)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { وإِذْ قلنا لك } فيما أوحينا إليك { إِنَّ ربك أحَاطَ بالناس } علماً وقدرة ، وأسراراً وأنواراً ، كما يليق بجلاله وتجليه ، فلا يختص بمكان ولا زمان ، بل هو مظهر الزمان والمكان ، وقد كان ولا زمان ولا مكان ، وهو الآن على ما عليه كان ، { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك } في قضية الإسراء ، قال ابن عباس : " هي رؤيا عين " حيث رأى أنوار جبروته في أعلى عليين ، وشاهد أسرار ذاته أريناك ذلك في ذلك المكان { إلا فتنةً للناس } اختباراً لهم ، من يصدق بذلك ولا يكيف ، ومن يجحده من الكفرة . ومن يقف مع ظاهره ، فيقع في التجسيم والتحييز ، ومن تنهضه السابقة إلى التعشق فيجاهد نفسه حتى تعرج روحه إلى عالم الملكوت ، فتكاشف بإحاطة أسرار الذات بكل شيء . وإنما خص الحق تعالى إحاطته بالناس ، مع أنه محيط بكل شيء ، كما في الآية الأخرى : { أَلآ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطُ } [ فُصِّلَت : 54 ] لأنهم المقصودون بالذات من هذا العالم ، وما خلق إلا لأجلهم . فاكتفى بالإحاطة بهم عن إحاطته بكل شيء . ثم قال تعالى : { والشجرة الملعونة في القرآن } وهي : شجرة الزقوم ، أي : ما جعلناها إلا فتنة للناس . وذلك أن قريشاً لما سمعوا أن في جهنم شجرة الزقوم ، سخروا من ذلك ، فافتتنوا بها ، حيث أنكروها ، وكفروا بالقرآن ، وقالوا : كيف تكون شجرة في النار ، والنار تحرق الشجر ؟ ! وقفوا مع الإلف والعادة ، ولم ينفذوا إلى عموم تعلق القدرة . ومن قدر على حفظ وبر السَّمَنْدَل منها ، وهو يمشي فيها ، قدر على أن يخلق في النار شجرة ، ولم تحرقها . وقال أبو جهل : ما أعرف الزقوم إلا التمر بالزبد . فإن قيل : أين لُعِنت شجرة الزقوم في القرآن ؟ فالجواب : أن المراد لعنة آكلها ، وقيل : إن اللعنة هنا بمعنى الإبعاد ، وهي في أصل الجحيم . قال تعالى : { ونُخوِّفهم } بأنواع التخويف ، أو بالزقوم ، { فما يزيدُهُم إِلا طغيانًا كبيرًا } عنوًا مجاوزاً للحد . الإشارة : الأكوان ثابتة بإثباته ، ممحوة بأحدية ذاته . فإذا انمحت الأكوان ثبتت وحدة المكون . " كان الله ولا شيء معه ، وهو الآن على ما كان عليه " ، من قامت به الأشياء ، وهو وجودها ونور ذاتها ، ومحيط بها ، كيف تحصره ، أو تحيزه ، أو تحول بينه وبين موجوداته ؟ قيل لسيدنا علي - كرم الله وجهه - : يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين كان ربنا قبل خلق الأشياء ؟ فتغير وجهه ، وسكت ، ثم قال : قولكم : أين ؟ يقتضي المكان ، وكان الله ولا زمان ولا مكان ، وهو الآن على ما عليه كان . هـ . وقال الشيخ الشاذلي : قيل لي : يا عليّ بي قُلْ ، وعليّ دُل ، وأنا الكل . وفي الحديث : " لاَ تَسُبُّوا الدَهْرَ ، فَإنَّ الله هُوَ الدَّهْرُ ، بِيَده الليْلُ والنَّهَار " ، ولا يفهم هذا على التحقيق إلا أهل الذوق ، بصحبة أهل الذوق . وإلا فسلِّم تسلم ، واعتقد التنزيه وبطلان التشبيه . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق . ثمَّ بين عداوة ابليس المتقدمة : { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا … }