Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 61-64)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { طينًاً } : منصوب على إسقاط الخافض ، أو : حال من الراجع إلى الموصول ، و { أرأيتك } : الكاف للخطاب ، لا موضع لها . وتقدم الكلام عليه في سورة الأنعام . و { هذا } : مفعول " أرأيت " ، و { جزاء } : مصدر ، والعامل فيه : " جزاؤكم " ، فإنَّ المصدر ينصب بمثله أو فعله أو وصفه ، وقيل : حال موطئة لقوله : " موفورًا " . يقول الحقّ جلّ جلاله : { و } اذكر { إِذْ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إِلا إِبليسَ } امتنع ، و { قال أأسجدُ لمن خلقتَ طينًا } أي : من طين فهو أصله من الطين ، وأنا أصلي من النار ، فكيف أسجد له وأنا خير منه ؟ ! ثم { قال } إبليس : { أَرَأيْتكَ هذا الذي كرمتَ عليَّ } أي : أخبرني عن هذا الذي كرمته عليّ بأمري بالسجود له ، لِمَ كرمتَه عليّ ؟ { لئن أخرتنِ } أي : والله لئن أخرتنِ { إِلى يوم القيامة لأَحْتَنِكَنّ } لأستأصلن من احتنكت السَّنةُ أموالَهم أي : استأصلتها . أي : لأهلكن { ذريتَه } بالإغواء والإضلال ، { إِلا قليلاً } أو : لأميلنهم وأَقُودَنَّهُمْ ، مأخوذ من تحنيك الدابة ، وهو أن يشد على حنكها بحبل فتنقاد . أي : لأقودنهم إلى عصيانك ، إلا قليلاً ، فلا أقدر أن أقاوم شكيمتهم لمَا سبق لهم من العناية . قال ابن عطية : وحَكَمَ إبليس على ذرية آدم بهذا الحكم من حيث رأى الخِلْقَةَ مجوفةً مختلفةَ الأجزاءِ ، وما اقترن بها من الشهوات والعوارض كالغضب ونحوه ، ثم استثنى القليل لعلمه أنه لا بد أن يكون في ذريته من يصلب في طاعة الله . هـ . قلت : إنما يحتاج إلى هذا : من وقف مع ظاهر الحكمة في عالم الحس ، وأما من نفذ إلى شهود القدرة في عالم المعاني : فلا . { قال } تعالى : { اذهبْ } امض لما قصدته ، وهو طرد وتخلية لما بينه وبين ما سولت له نفسه . { فمن تبعك منهم فإِنَّ جهنم جزاؤكم } التفت إلى الخطاب ، وكان الأصل أن يقال : جزاؤهم ، بضمير الغيبة ليرجع إلى { من تبعك } ، لكنه غلب المخاطب ليدخل إبليس معهم ، فتُجازون على ما فعلتم { جزاء موفورًا } وافرًا مكملاً ، لا نقص فيه . { واستفزز } استخفف ، أو اخدع { مَن استطعتَ منهم } أن تستفز { بصوتك } بدعائك إلى الفساد ، { وأَجْلِبْ عليهم } أي : صِحْ عليهم ، من الجلبة ، وهي : الصياح ، { بخَيْلكَ ورَجِلكَ } أي : بأعوانك من راكب وراجل ، قيل : هو مجاز ، أي : افعل بهم جهدك . وقيل : إن له من الشياطين خيلاً ورجالاً . وقيل : المراد : بيان الراكبين في طلب المعاصي ، والماشين إليها بأرجلهم . { وشارِكْهمْ في الأموال } بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام ، والتصرف فيها على ما لا ينبغي ، كإنفاقها في المعاصي ، { والأولادِ } بالحث على التوصل إلى الولد بالسبب الحرام ، كالزنى وشبهه من فساد الأنكحة ، وكتسمية الولد عبد شمس وعبد الحارث وعبد العُزّى . وقال في الإحياء : قال يونس بن زيد : بلغنا أنه يُولد مع أبناء الإنس من أبناء الجن ، ثم ينشأون معهم . قال ابن عطية : وما أدخله النّقَّاشُ من وطء الجن ، وأنه يحبل المرأة من الإنس ، فضعيف كله . هـ . قال في الحاشية : وضَعْفُهُ ظاهر ، والآية مشيرة لرده لأنها إنما أثبتت المشاركة في الولد ، لا في الإيلاء ، فإنه لم يرد ، ولو قيل به لكان ذريعة لفساد كبير ، ولكان شبهة يُدْرَأُ بها الحد ، ولا قائل بذلك . وانظر الثعالبي الجزائري فقد ذكر حكاية في المشاركة في الوطء عمن اتفق له ذلك ، فالله أعلم . وأما عكس ذلك إيلاء الإنسي الجنية ، فأمر لا يحيله العقل ، وقد جاء الخبر به في أمر بلقيس . قاله المحشي الفاسي . { وعِدْهُمْ } بأن لا بعث ولا حساب ، أو المواعد الباطلة كشفاعة الآلهة . والاتّكال على كرامة الآباء ، وتأخير التوبة ، وطول الأمل ، { وما يعدُهم الشيطانُ إِلا غرورًا } وباطلاً . والغرور : تزيين الخطأ بما يُوهم أنه صواب . قاله البيضاوي . الإشارة : ينبغي لك أيها الإنسان أن تكون مضادًا للشيطان ، فإذا امتنع من الخضوع لآدم فاخضع أنت لأولاد آدم بالتواضع واللين ، وإذا كان هو مجتهدًا في إغواء بني آدم بما يقدر عليه ، فاجتهد أنت في نصحهم وإرشادهم ، وتعليمهم ووعظهم وتذكيرهم ، بقدر ما يمكنك ، واستعمل السير إليهم بخيلك ورجلك ، حتى تنقذهم من غروره وكيده . وإذا كان هو يدلهم على الشرك الجلي والخفي ، في أموالهم وأولادهم ، فدُلَّهم أنت على التوحيد ، والإخلاص ، في اعتقادهم وأعمالهم وأموالهم . وإذا كان يعدهم بالمواعد الكاذبة ، فعدهم أنت بالمواعد الصادقة كحسن الظن بالله ، إن صحبه العمل بما يرضيه . فإن فعلت هذا كنت من عباد الله الذين ليس له عليهم سلطان . كما أشار إليهم