Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 97-98)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { على وجوههم } : حال من ضمير " نحشرهم " . و { عُميًا } الخ : حال أيضًا من ضمير " وجوههم " . و { مأواهم } : استئناف ، وكذا : { كلما } الخ . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ومَن يَهدِ اللهُ } إلى الحق الذي جاء من قبله على أيدي الرسل ، { فهو المهتد } إليه ، وإلى ما يؤدي إليه من الثواب ، أو فهو المهتدي إلى كل مطلوب ، { ومن يُضلل } أي : يخلق فيه الضلال ، كهؤلاء المعاندين ، { فلن تجد لهم أولياء من دونه } ينصرونهم من عذابه ، أو يُهدونهم إلى طريقه ، ويُوصلونهم إلى مطالبهم الدنيوية والأخروية . ووحد الضمير أولاً في قوله : { فهو المهتد } : مراعاة للفظ " من " ، وجمع ثانيًا في { لهم } مراعاة لمعناها : تلويحًا بوحدة طريق الحق ، وتعدد طرق الضلال . { ونحشرُهم } ، فيه التفات من الغيبة إلى التكلم إيذانًا بكمال الاعتناء بأمر الحشر ، أي : ونسوقهم { يوم القيامة على وجوههم } أي : كابين عليها سَحْبًا ، كقوله { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } [ القمر : 48 ] ، أو : مشيًا إلى المحشر بعد القيام ، فقد رُوي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يمشون على وجوههم ؟ قال : " الذِي أمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ " حال كونهم { عُمْيًا وبُكمًا وصُمًّا } لا يُبصرون ما يقر أعينهم ، ولا ينطقون بما يُقبل منهم ، ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ، لمَّا كانوا في الدنيا لا يستبصرون بالآيات والعبر ، ولا ينطقون بالحق ولا يستمعونه . ويجوز أن يُحشروا ، بعد الحساب ، من الموقف إلى النار ، مَؤُوفي القوى والحواس . وأن يُحشروا كذلك ، ثم تعاد إليهم قواهم وحواسهم ، فإنَّ إدراكاتهم بهذه المشاعر في بعض المواطن مما لا ريب فيه . { مأواهم جهنم } هي مسكنهم ، { كلما خَبَتْ } خمدت { زدناهم سعيرًا } توقدًا ، أي : كلما سكن لهبها ، وأكلت جلودهم ولحومهم ، ولم يبق فيهم ما تتعلق به النار وتحرقه ، زدناهم توقدًا بأن بدلناهم جلودًا غيرها فعادت ملتهبة ومسعرة . ولعل ذلك عقوبة على إنكارهم البعث مرة بعد مرة ، ليروها عيانًا ، حيث لم يعلموها برهانًا ، كما يُفصح عنه قوله : { ذلك } أي ذلك العذاب { جزاؤهم بأنهم } بسبب أنهم { كفروا بآياتنا } العقلية والنقلية ، الدالة على وقوع الإعادة دلالة واضحة . { وقالوا } منكرين البعث أشد الإنكار : { أئذا كُنَّا عظامًا ورُفاتًا أَئِنا لمبعوثون خَلقًا جديدًا } أي : أنوجدُ خلقًا جديدًا بعد أن صِرنا ترابًا ؟ و " خلقًا " : إما مصدر مؤكد من غير لفظه ، أي : لمبعوثون مبعثًا جديدًا ، أو حال ، أي : مخلوقين مستأنفين . الإشارة : من يهده الله إلى صريح المعرفة وسر الخصوصية فهو المهتد إليها ، يهديه أولاً إلى صحبة أهلها ، فإذا تربى وتهذب أشرقت عليه أنوارها . ومن يُضلله عنها ، فلا ينظر ولا يهتدي إلى صحبة أهلها ، فيُحشر يوم القيامة محجوبًا عن الله ، كما عاش محجوبًا . يموت المرء على ما عاش عليه ، ويُبعث على ما مات عليه ، لا يُبصر أسرار الذات في مظاهر النعيم ، ولا ينطق بالمكالمة مع الرحمن الرحيم ، ولا يسمع مكالمة الحق مع المقربين وذلك بسبب إنكاره لأهل التربية في زمانه ، وقال : لا يمكن أن يبعث الله من يحيي الأرواح الميتة بالجهل بالمعرفة الكاملة . وفيه إنكار لعموم القدرة الأزلية ، وتحجير على الحق . والله تعالى أعلم . ثمَّ ذكر دلائل عموم قدرته .