Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 103-106)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أعمالاً } : تمييز ، و { في الحياة } : متعلق بسعيهم . يقول الحقّ جلّ جلاله : { قل } يا محمد : { هل نُنبئُكم } يا معشر الكفرة { بالأخسرين أعمالاً } أي : بالذين خسروا من جهة أعمالهم كصدقةٍ ، وعتق ، وصلة رحم ، وإغاثة ملهوف ، حيث عملوها في حال كفرهم فلم تُقبل منهم ، وهم : { الذين ضلَّ سعيُهُم } أي : بطل بالكلية { في الحياة الدنيا } أي : بطل ما سَعْوا فيه في الحياة الدنيا وعملوه ، { وهم يَحسبون } : يظنون { أنهم يُحسنُون صُنعًا } أي : يأتون بها على الوجه الأكمل ، وقد تركوا شرط صحتها وكمالها ، وهو الإيمان ، واختلف في المراد بهم ، فقيل : مشركو العرب ، وقيل : أهل الكتابين ، ويدخل في الأعمال ما عملوه في الأحكام المنسوخة المتعلقة بالعبادات . وقيل : الرهبان الذين يحبسون أنفسهم في الصوامع ويحْملونَها على الرياضات الشاقة . والمختار : العموم في كل من عمل عملاً فاسدًا ، يظن أنه صحيح من الكفرة ، بدليل قوله : { أولئك الذين كفروا بآيات ربهم } : بدلائل التوحيد ، عقلاً ونقلاً ، { ولقائه } : البعث وما يتبعه من أمور الآخرة ، { فحَبِطَتْ } لذلك { أعمالُهم } المعهودة حبوطًا كليًا ، { فلا نُقيم لهم } أي : لأولئك الموصوفين بحبوط الأعمال ، { يومَ القيامة وزنًا } أي : فنُهينُهم ، ولا نجعل لهم مقدارًا واعتبارًا لأن مدار التكريم : الأعمالُ الصالحة ، وقد حبطت بالمرة قال صلى الله عليه وسلم : " يُؤتى بالرَّجُل السَّمِين العَظِيم يَوْمَ القِيَامَةِ ، فلاَ يَزنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ " اقْرَأوا إن شِئْتُمْ : { فلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْنًا } . أو : لا نضع لأجل وزن أعمالهم ميزانًا لأن الكفر أحبطها . أو : لا نقيم لهم وزنًا نافعًا . قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : يأتي أناسٌ بأعمالهم يوم القيامة ، هي عندهم في العِظَم كجبال تهامة ، فإذا وزنوها لا تزن شيئًا ، فذلك قوله : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا } . ثم بيَّن مآل كفرهم بعد أن بيَّن مآل أعمالهم ، فقال : { ذلك } الصنف الذين حبطت أعمالهم { جزاؤُهم جهنمُ } ، أو الأمر ذلك ، ثم استأنف بقوله : { جزاؤُهم جهنمُ بما كفروا } أي : بسبب كفرهم المتضمن لسائر القبائح ، التي من جملتها ما تضمنه قوله : { واتَّخذُوا آياتي } الدالة على توحيدي أو كلامي ، أو معجزاتي ، { ورسلي هُزُوًا } أي : مهزوًا بهم ، فلم يقتنعوا بمجرد الكفر ، بل ارتكبوا ما هو أعظم ، وهو الاستهزاء بالآيات والرسل . عائذًا بالله من ذلك . الإشارة : كل آية في الكفار تجر ذيلها على الغافلين ، فكل من قنع بدون عبادة فكرة الشهود والعيان ، ينسحب عليه من طريق الباطن أنه ضل سعيه ، وهو يحسب أنه يُحسن صُنعًا ، فلا يقام له يوم القيامة وزن رفيع ، فتنسحب الآية على طوائف ، منها : منْ عَبَدَ اللهَ لطلب المنزلة عند الناس ، وهذا عين الرياء رُوي عن عثمان أنه قال على المنبر : الرياء سبعون بابًا ، أهونها مثل نكاح الرجل أمه . ومنها : من عَبَدَ الله لطلب العوض والجزاء عند الخواصِّ ، ومنها : من عبد الله لطلب الكرامات وظهور الآيات ، ومنها : من عبد الله بالجوارح الظاهرة ، وحجب عن الجوارح الباطنة ، وهي عبادة القلوب ، فإن الذرة منها تعدل أمثال الجبال من عبادة الجوارح ، ومنها : من وقف مع الاشتغال بعلم الرسوم ، وغفل عن علم القلوب ، وهو بطالة وغفلة عند المحققين ، ومنها من قنع بعبادة القلوب ، كالتفكر والاعتبار ، وغفل عن عبادة الأسرار ، كفكرة الشهود والاستبصار ، والحاصل : أن كل من وقف دون الشهود والعيان فهو بطّال ، وإنْ كان لا يشعر ، وإنما ينكشف له هذا الأمر عند الموت وبعده ، وسيأتي عند قوله تعالى : { وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } [ الزُّمَر : 47 ] ، زيادة بيان على هذا إن شاء الله . فقد يكون الشيء عبادة عند قوم وبطالة عند أخرين حسنات الأبرار سيئات المقربين . ولا يفهم هذا إلا من ترقى عن عبادة الجوارح إلى عبادة القلوب والأسرار . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر ضدَّ من تقدم من الكفرة