Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 60-60)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولمَّا ذكر الحق جلّ جلاله قصة أهل الكهف ، وكان وقع فيها عتاب للرسول - عليه الصلاة والسلام - حيث لم يستثن بتأخير الوحي ، وبقوله : { ولا تقولن لشيء … } الخ ، ذكر هنا قصة موسى مع الخضر - عليهما السلام - وكان سَبَبُها عتابَ الحق لموسى عليه السلام حيث لم يردَّ العلم إليه ، حين قال له القائل : هل تعلم أحدًا أعلم منك ؟ فقال : لا ، فذكر الحق تعالى قصتهما تسليةً لنبينا عليه الصلاة والسلام بمشاركة العتاب . قلت : { لا أبرح } : ناقصة ، وخبرها : محذوف : اعتمادًا على قرينة الحال إذ كان ذلك عن التوجه إلى السفر ، أي : لا أبرح أسير في سفري هذا ، ويجوز أن تكون تامة ، من زال يزول ، أي : لا أفارق ما أنا بصدده حتى أبلغ … الخ . يقول الحقّ جلّ جلاله : { و } اذكر { إذ قال موسى لفتاه } يوشع بن نون بن إفراثيم بن يوسف عليه السلام ، وكان ابن أخته ، سُمي فتاه إذ كان يخدمه ويتبعه ويتعلم منه العلم . والفتى في لغة العرب : الشاب ، ولمَّا كانت الخدمة أكثر ما تكون من الفتيان ، قيل للخادم : فتى ، ويقال للتلميذ : فتى ، وإن كان شيخًا ، إذا كان في خدمة شيخه ، فقال موسى عليه السلام : { لا أبرحُ } : لا أزال أسير في طلب هذا الرجل ، يعني : الخضر عليه السلام ، { حتى أبلغَ مَجْمَعَ البحرين } ، وهو ملتقى بحر فارس والروم مما يلي المشرق ، وهذا مذهب الأكثر . وقال ابن جزي : مجمع البحرين : عند " طنجة " حيث يتجمع البحر المحيط والبحر الخارج منه ، وهو بحر الأندلس . قلت : وهو قول كعب بن محمد القرضي . { أو أَمْضِيَ حُقُبًا } أي : زمنًا طويلاً أتيقن معه فوات الطلب . والحقب : الدهر ، أو ثمانون سنة ، أو سبعون . وسبب هذا السفر : أن موسى عليه السلام لما ظهر على مصر ، بعد هلاك القبط ، أمره الله تعالى أن يُذّكر قومه هذه النعمة ، فقام فيهم خطيبًا بخطبة بليغة ، رقَّت بها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقالوا له : من أعلم الناس ؟ فقال : أنا . وفي رواية : هل تعلم أحدًا أعلم منك ؟ فقال : لا . فعَتَب الله عليه إذ لم يَرُدَّ العلم إليه عزّ وجلّ ، فأوحى الله إليه : " أعلم منك عبدٌ لي بمجمع البحرين ، وهو الخضر " ، وكان قبل موسى عليه السلام ، وكان في مُقَدَّمَةِ ذي القرنين ، فبقي إلى زمن موسى عليه السلام ، وسيأتي ذكر التعريف به في محله ، إن شاء الله . وقال ابن عباس رضي الله عنه : إن موسى عليه السلام سأل ربه : أيُّ عبادك أحب إليك ؟ قال : الذي يذكرني ولا ينساني ، قال : فأي عبادك أقضى ؟ قال : الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى ، قال : فأي عبادك أعلم ؟ قال : الذي يستقي علم الناس إلى علمه ، عسى أن يصيب كلمةً تدله على هدى ، أو ترده عن ردى ، قال : يا رب إن كان في عبادك من هو أعلم مني فدلني عليه ؟ قال : أعلم منك الخضر ، قال : أين أطلبه ؟ قال : على ساحل البحر عند الصخرة . قال : يا رب ، كيف لي به ؟ قال : خُذ حُوتًا في مِكْتَلٍ ، فحيثما فقدتَه فهو هناك ، فأخذ حُوتًا مشويًا ، فجعله في مِكْتَلٍ ، فقال لفتاه : إذا فقدتَّ الحوت فأخبرني ، وذهبا يمشيان إلى أن اتصلا بالخضر ، على ما يأتي تمامه ، إن شاء الله تعالى . وحديث الخطبة هو الذي في صحيح البخاري وغيره . والله تعالى أعلم أيُّ ذلك كان . الإشارة : قصة سيدنا موسى مع الخضر - عليهما السلام - هي السبب في ظهور التمييز بين أهل الظاهر وأهل الباطن ، فأهل الظاهر قائمون بإصلاح الظواهر ، وأهل الباطن قائمون بتحقيق البواطن . أهل الظاهر مغترفون من بحر الشرائع ، وأهل الباطن مغترفون من بحر الحقائق . قيل : هو المراد بمجمع البحرين ، حيث اجتمع سيدنا موسى ، الذي هو بحر الشرائع ، والخضر عليه السلام ، الذي هو بحر الحقائق ، ولا يُفهم أن سيدنا موسى عليه السلام خال من بحر الحقائق ، بل كان جامعًا كاملاً ، وإنما أراد الحق تعالى أن يُنزله إلى كمال الشرف ، بالتواضع في طلب زيادة العلم تأديبًا له وتربية ، حيث ادعى القوة في نسبته العلم إلى نفسه ، وفي الحِكَم : " منعك أن تدعي ما ليس لك مما للمخلوقين ، أَفَيُبيح لك أن تدعي وصفه وهو رب العالمين ! " . وهذه عادة الله تعالى مع خواصِّ أحبائه ، إذا أظهروا شيئًا من القوة ، أو خرجوا عن حد العبودية ، ولو أنملة ، أدبهم بأصغر منهم علمًا وحالاً عناية بهم ، وتشريفًا لهم لئلا يقفوا دون ذروة الكمال ، كقضية الشاذلي مع المرأة التي قالت له : تَمُنُّ على ربك بجوع ثمانين يومًا ، وأنا لي تسعة أشهر ما ذقت شيئًا . وكقضية الجنيد والسَّرِي في جماعة من الصوفية ، حيث تكلموا في المحبة ، وفاض كل واحد على قدر اتساع بحره فيها ، فقامت امرأة بالباب ، عليها جُبة صوف ، فردت على كل واحد ما قال ، حيث أظهروا قوة علمهم ، فأدبهم بامرأة . ويؤخذ من طلب موسى الخضر - عليهما السلام - والسفر إليه : الترغيب في العلم ، ولا سيما علم الباطن ، فطلبه أمر مؤكد . قال الغزالي رضي الله عنه : هو فرض عين إذ لا يخلو أحد من عيب إو إصرار على ذنب ، إلا الأنبياء - عليهم السلام - وقد قال الشاذلي رضي الله عنه : من لم يغلغل في علمنا هذا مات مُصرًا على الكبائر وهو لا يشعر . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر بقية القصة