Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 66-70)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { رُشْدًا } : مفعول ثاني لعلمت ، أو : علة لأتبعك ، أو : مصدر بإضمار فعله ، أو : حال من كاف { أتبعك } ، أو : على إسقاط الخافض ، أي : من الرشد ، وفيه لغتان : ضم الراء وسكون الشين ، وفتحهما ، وهو : إصابة الخير ، و { خُبْرًا } : تمييز محول عن الفاعل ، أي : لم يحط به خبرك . و { لا أعصي } : عُطِفَ على : { صابرًا } . يقول الحقّ جلّ جلاله : ولما اتصل موسى بالخضر - عليهما السلام - استأذنه في صحبته ليتعلم منه ، ملاطفة وأدباً وتواضعاً ، وكذلك ينبغي لمن يريد التعلم من المشايخ : أن يتأدب ويتواضع معهم . { قال له موسى هل أتبعك على أن تُعلّمَنِ مما علِّمت رُشدًا } أي : مما علمك الله من العلم الذي يدل على الرشد وإصابة الصواب ، لعلي أرشد به في ديني . ولا ينافي كونه نبيًا ذا شريعة أن يتعلم من غيره من أسرار العلوم الخفية إذ لا نهاية لعلمه تعالى ، وقد قال له تعالى فيما تقدم : أعلم الناس من يبتغي علم غيره إلى علمه . رُوي أنهما لما التقيا جلسا يتحدثان ، فجاءت خُطافة أو عصفور فنقر في البحر نقرة أو نقرتين ، فقال الخضر : يا موسى خطر ببالك أنك أعلم أهل الأرض ؟ ما علمك وعلمي وعلم الأولين والآخرين في جنب علم الله إلا أقل من الماء الذي حمله هذا العصفور . ولَمَّا سأله صُحْبَتَهُ { قال } له : { إِنك لن تستطيع معيَ صبرًا } لأنك رسول مكلف بحفظ ظواهر الشرائع ، وأنا أطلعني الله تعالى على أمور خفية ، لا تتمالك أن تصبر عنها لمخالفة ظاهرها للشريعة . وفي صحيح البخاري : " قال له الخضر : يا موسى ، إني على علم من علم الله عَلَّمَنِيهِ ، لا تعلمه أنت ، وأنتَ على علمٍ من علم الله علَّمكَه الله ، لا أعلمه " ثم علّل عدم صبره بقوله : { وكيف تصبرُ على ما لم تُحط به خُبْرًا } ؟ لأني أتولى أموراً خفية لا خُبر لك بها ، وصاحب الشريعة لا يُسلم لصاحب الحقيقة العارية من الشريعة ، { قال } له موسى عليه السلام : { ستجدني إِن شاء الله صابرًا } معك ، غير مُعترض عليك . وتوسيط الاستثناء بين مفعولي الوجدان لكمال الاعتناء بالتيمن ، ولئلا يتوهم تعلقه بالصبر ، { ولا أعصي لك أمرًا } ، هو داخل في الاستثناء ، أي : ستجدني إن شاء الله صابرًا وغير عاص . وقال القشيري : وَعَدَ من نفسه شيئين : الصبر ، وألاَّ يعصيه فيما يأمره به . فأما الصبر فَقَرنَه بالمشيئة ، حتى وجده صابرًا ، فلم يقبضْ على يدي الخضر فيما كان منه من الفعل . والثاني قال : { ولا أعصي لك أمراً } ، فأطلق ولم يستثن ، فعصى ، حيث قال له الخضر : { فلا تسألني عن شيء } ، فكان يسأله ، فبالاستثناء لم يخالف ، وبالإطلاق خالف . هـ . قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي : وفيه نظر للحديث الصحيح : " يرحم الله موسى ، لو صبر … " مع أن قوله : " ولا أعصي … " الخ ، غير خارج عن الاستثناء ، كما تقدم ، وإن احتمل خروجه ، والظاهر : أن الاستثناء ، كالدعاء ، إنما ينفع إذا صادف القدر ، وهو هنا لم يصادف ، مع أنه هنا عارضه علم الخضر بكونه لم يصبر من قوله : { لن تستطيع معي صبرًا } ، وقد أراد الله نفوذ علم الخضر . هـ . وقال ابن البنا : أن العهد إنما هو على قدر الاستطاعة ، وإن الوفاء بالملتزم إنما يكون فيما لا يخالف الشرع ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لأن موسى عليه السلام لم يلتزم إلا ذلك . ولمّا رأى ما هو محرم تكلم … فافهم . هـ . ثم شرط عليه التسليم لِمَا يرى ، فقال : { فإِن اتبعتني فلا تسالني عن شيء } تشاهده من أفعالي ، فهمْتَه أم لا ، أي : لا تفاتحني بالسؤال عن حكمته ، فضلاً عن مناقشته واعتراضه ، { حتى أُحْدِثَ لك منه ذكرًا } حتى أبتدي بيانه لك وحكمته ، وفيه إيذان بأن ما يصدر منه له حكمة خفية ، وعاقبة صالحة . وهذا من أدب المتعلم مع العالم ، والتابع مع المتبوع ، أنه لا يعترض على شيخه بل يسأل مُسترشدًا بملاطفةٍ وأدب ، وهذا في العلم الظاهر . وسيأتي في الإشارة ما يتعلق بعلم الباطن . الإشارة : قد أخذ الصوفية - رضي الله عنهم - آداب المريد مع الشيخ من قضية الخضر مع موسى - عليهما السلام - فطريقتهم مبنية على السكوت والتسليم ، حتى لو قال لشيخه : لِمَ ؟ لَمْ يفلح أبدًا ، سواء رأى من شيخه منكرًا أو غيره ، ولعله اختبار له في صدقه ، أو اطلع على باطن الأمر فيه ، فأحوالهم خضرية ، فالمريد الصادق يُسلم لشيخه في كل ما يرى ، ويمتثل أمره في كل شيء ، فَهِم وجه الشريعة فيه أم لا ، هذا في علم الباطن ، وأما علم الظاهر فمبني على البحث والتفتيش ، مع ملاطفة وتعظيم . قال الورتجبي : امتحن الحق تعالى موسى عليه السلام بصحبة الخضر لاستقامة الطريقة ولتقويم السنة في متابعة المشايخ ، ويكون أسوة للمريدين والقاصدين في خدمتهم أشياخ الطريقة . هـ . قال القشيري في قوله : { فلا تسالن عن شيء } : قال : ليس للمريد أن يقول لشيخه : لِمَ ، ولا للمتعلم أن يقول لأستاذه ، ولا للعامي أن يقول للمفتي فيما يفتي ويحكم : لِمَ . هـ . وقال ابن البنا في تفسيره : يُؤخذ من هذه القصة : ترك الاعتراض على أولياء الله إذا ظهر منهم شيء مخالف للظاهر لأنهم فيه على دليل غير ظاهر لغيرهم ، اللهم إلا أن يدعوك إلى اتباعه ، فلا تتبعه إلا عن دليل ، ويُسلم له في حاله ، ولا تعترض عليه ، ولا يمنعك ذلك من طلب العلم والتعلم منه ، وإن كنت لا تعمل بعمله لأنه لا يجب عليك تقليده إلا عن دليل ، فلا تعمل مثل عمله ، وأنت ترى أنه مخالف لك في ظنك ، ولا علم لك بحقيقة باطن الأمر ، فلا تقفُ ما ليس لك به علم . والله الموفق والمرشد . هـ . قلت : ما ذكره إنما هو في حق من لم يدخل تحت تربيته ، فإنما هو طالب علم أو تبرك ، وأما من التزم صحبته على طريق التربية فلا يتأخر عن امتثال ما أمره به ، كيفما كان ، نعم ، إن لم ينبغ التوقف والتأني في الاقتداء به . وقال في القوت في قوله : { فلا تسألن عن شيء } : الشيء في هذا الموضع وصف مخصوص من وصف الربوبية من العلم ، الذي علمه الخضر عليه السلام من لدنه ، لا يصلح أن يسأل عنه ، من معنى صفات التوحيد ونعوت الوحدانية ، لا يوكل إلى العقول ، بل يخص به المراد المحمول . هـ . قال المحشي الفاسي : وهو - أي : المحمول - ما يرشَقْ فيهم من وصف الحق وقدرته ، فيتصرفون ، وهم في الحقيقة مُصرِّفُون ، وهؤلاء هم أهل القبضة ، الذين علَّمهم سِرَّ الحقيقة ، فلهم قدرة لنفوذ شعاعها فيهم ، فتتكوّن لهم الأشياء ، وتنفعل لحملهم سر الحقيقة وظهورها لهم وفيهم ، وهم كما قال : مرادون محمولون ، فما يجري عليهم : قدر { وما رميت … } الآية . هـ . ثمَّ ذكر ما رآه من الخوارق