Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 89-91)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { مَطْلِعَ } فيه لغتان : الكسر والفتح ، و { كذلك } : خبر عن مضمر ، أي : أمر ذي القرنين كما وصفنا لك ، أو صفة مصدر محذوف لِوَجَد ، أو { نجعل } أي : وجدا أو جعلا كذلك ، أو صفة لقوم ، أي : على قوم مثل ذلك القبيل ، الذي تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم ، أو صفة لستر ، أي : سترًا مثل ستركم . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ثم أَتْبَع } ذو القرنين { سببًا } : طريقًا راجعًا من مغرب الشمس ، موصلاً إلى مشرقها ، { حتى إِذا بلغ مَطْلِعَ الشمس } أي : الموضع الذي تطلع عليه الشمس أولاً من معمورة الأرض ، قيل : بلغه في اثنتي عشرة سنة ، وقيل : في أقل من ذلك . { وجدها تطْلُع على قوم } عراة { لم نجعلْ لهم من دونها سترًا } من اللباس والبنيان ، قيل : هم الزنج ، وفي اللباب : قيل : إنهم بنو كليب ، وقيل : إن بني كليب طائفة منهم ، وهم قوم بآخر صين الصين ، على صور بني آدم ، إلاّ أنهم لهم أذناب كأذناب الكلاب ، ووجوه كوجوه الكلاب ، وأكثر قُوتِهم الحوت ، ومَن مات منهم أكلوه ، وملأوا موضع دماغه مسكًا وعنبرًا ، وحبسوه عندهم تبركًا بآبائهم وأبنائهم . ثم قال : وليس لهم لباس إلا الجلود على عورتهم . هـ . وعن كعب : أن أرضهم لا تمسك الأبنية ، وبها أسراب ، فإذا طلعت الشمس دخلوا الأسراب أو البحر ، فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم ، يتراعون فيها كما ترعى البهائم . قال رجل من سمَرْقَنْد : خرجت حتى جاوزت الصين ، فقالوا لي : بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة ، فاستأجرت رجلاً حتى بلغتهم ، فإذا أحدهم يفرش أذنه ، ويلبس الأخرى ، وكان صاحبي يُحسن لسانهم ، فسألهم فقالوا : جئتنا تنظر كيف تطلع الشمس . قال : فبينما نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة ، فغشي عليَّ ، ثم أفقت وهم يمسحونني بالدهن ، فلما طلَعت الشمس على الماء ، إذا هي فوق الماء كهيئة الزيت ، فأدخلونا سربًا لهم ، فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر يصطادون السمك فيطرحونه في الشمس فينضج . هـ . وعن مجاهد : من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض . هـ . وقوله تعالى : { كذلك } : أي : أمر ذي القرنين كما وصفنا ، في رفعة المحل وبسط الملك ، أو أمره فيهم كأمره في أهل مغرب الشمس ، من التخيير والاختيار ، أو وجد قومًا عند مطلع الشمس كذلك ، وحكم فيهم ، بحكم أولئك . أو : { لم نجعل لهم } سترًا مثل ستركم من اللباس والأكنان والجبال . قال الحسن : كانت أرضهم لا جبل فيها ولا شجر ، ولا تحمل البناء ، فإذا طلعت الشمس هربوا إلى البحر . هـ . قال تعالى : { وقد أحطْنا بما لديه } من الأسباب والعُدَد ، وما صدر عنه وما لاقاه { خُبْرًا } : علمًا تعلق بظواهره ، وخفايا أمره ، يعني : أن ذلك بلغ من الكثرة بحيث لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير . الإشارة : كان ذو القرنين في الظاهر يلتمس مطلع الشمس الحسية ، وفي الباطن يلتمس مطلع الشمس المعنوية ، وهي شمس القلوب ، التي تكشف أستار الغيوب ، ثم أتبع سبَبًا يُوصل إلى شمس العيان ، فوجدها تطلع على قلوب أهل العرفان ، لم يجعل لهم من دونها سِتْرًا على الدوام ، لما أتحفهم به من غاية الوصال والإكرام ، حتى قال قائلهم : لو حجب عني الحق تعالى طرفة عين ما أعددت نفسي من المسلمين ، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يقول : وجدها تطلع على أهل التجريد ، الخائضين في بحار التوحيد ، وأسرار التفريد ، وفيهم قال المجذوب رضي الله عنه : @ أقَارِئينَ عِلْــمَ التَّوْحِيدِ هُنَا البُحورُ إلَيَّ تُنْبِي هَذَا مَقَامُ أَهْلِ التَّجْرِيد الْوَاقفِينَ مَع ربِّي @@ قد تجرّدوا من لباس الزينة والافتخار ، ولبسوا لباس المسكنة والافتقار ، فعوضهم الله تعالى في قلوبهم لباس الغنى والعز والاقتدار ، صبروا قليلاً ، واستراحوا زمنًا طويلاً ، تذللوا قليلاً ، وعزّوا عزًا طويلاً ، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه . ثمَّ أخذ ذو القرنين من الجنوب إلى الشمال