Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 9-12)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أم } : منقطعة مقدرة ببل ، التي هي للانتقال من حديث إلى حديث ، لا للإبطال ، والهمزة : للاستفهام عند الجمهور ، وبمعنى " بل " ، فقط ، عند غيرهم ، و { عجبًا } : خبر كان ، و { من آياتنا } : حال منه ، و { إذ أوى } : ظرف لعجبًا ، لا لحَسِبَْتَ ، أو مفعول اذكر ، أي : اذكر هذا الوقت العجيب ، وهو حين التجأ الفتية إلى الكهف ، و { لنا } و { مِنْ أمرنا } : يتعلق بـ { هيئ } ، و { أيّ الحزبين } : معلق لنعلم عن المفعولين لما فيه من معنى الاستفهام ، وهو مبتدأ ، و " أحصى " : خبره ، وهو فعل ماضٍ ، و { أمدًا } : مفعوله . و { لِما لبثوا } : حال منه ، أو مفعول " أحصى " ، واللام زائدة ، و { ما } : موصولة ، و { أمدًا } : تمييز ، وقيل : { أحصى } : اسم تفضيل ، من الإحصاء بحذف الزوائد ، و { أمدًا } : منصوب بفعل دل عليه أحصى ، أي : يحصى كقوله : @ وَأَضْرَبَ مِنَّا بالسُّيُوفِ القَوَانِسَا @@ لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به ، إجماعًا ، ويجوز أن يكون تمييزًا بعد اسم التفضيل . يقول الحقّ جلّ جلاله : { أم حَسِبْتَ } أي : ظننت يا محمد ، والمراد : حسبان أمته { أنَّ أصحابَ الكهف } ، وهو الغار الواسع في الجبل . واختُلف في موضعه فقيل : بقرب فلسطين ، وقيل : بالأندلس بمقربة من لوشة في جهة غرناطة . وذكر ابن عطية أنه دخل كهفهم ، وفيه موتى ، ومعهم كلبهم ، وعليهم مسجد ، وقريب منه بناء يقال له الرَّقِيم ، قد بقي موضع جدرانه ، وفي تلك الجهة آثار يقال لها : مدينة " دقيوس " ، والله أعلم . وقال ابن جزي : ومما يُبعد ذلك ما رُوي أن معاوية مرَّ عليهم ، وأراد الدخول إليهم ولم يدخل ، هيبةً ، ومعاوية لم يدخل الأندلس قط ، وأيضًأ : فإن الموتى في لَوْشة يراهم الناس ، ولا يدرك أحد الرعب الذي ذكر الله في أهل الكهف . هـ . والمشهور : أن الرقيم هو اللوح المكتوب فيه أسماؤهم وأنسابهم ، وكان جُعِل ذلك الكتاب في خزانة الملك ، وهو لوح من رصاص أو حجر ، أمر بكتب أسمائهم فيه لما شكا قومُهم فقْدَهم . وقيل : اسم كلبهم . أي : أظننت أنهم { كانوا } في قصتهم { من } بين { آياتنا عَجَبًا } أي : كانوا عجبًا دون باقي آياتنا ، ليس الأمر كذلك . والمعنى : أن قصتهم ، وإن كانت خارقة للعادة ، ليست بعجيبة ، بالنسبة إلى سائر الآيات التي من تعاجيبها ما ذكر من خلق الله تعالى على الأرض ، من الأجناس والأنواع الفائتة الحصر من مادة واحدة ، بل هي عندها كالنزر الحقير . وقال القشيري : أزال موضع الأعجوبة من أوصافهم ، بما أضاف إلى نفسه بقوله : { من آياتنا } ، وقَلْبُ العادةِ مِنْ قِبَلِ اللهِ غيرُ مُسْتَنْكَرٍ ولا مُبْتَدَعٍ . هـ . ثم ذكر أول قصتهم ، فقال : { إِذْ أوى الفتيةُ } : جمع فتى ، وهو الشاب الكامل ، أي : اذكر حين التجأ الفتية إلى الكهف ، هاربين بدينهم ، خائفين على إيمانهم من كفار قومهم ، ورأسهم " دقيانوس " ، على ما يأتي في قصتهم . { فقالوا } حين دخلوا الغار : { ربَّنا آتنا من لدُنك } من مستبطن أمورك وخزائن رحمتك الخاصة المكنونة عن أعين العادات ، { رحمةً } خاصة تستوجب الرفق والأمن من الأعداء ، { وَهَيِّئ } : أصلح { لنا من أمرنا } الذي نحن عليه من مفارقة الكفار ومهاجرتهم ، { رَشَدًا } : هداية نصير بها راشدين مهتدين ، أو : اجعل أمرنا كله رشدًا وصوابًا ، كقولك : لقيت منك أسدًا ، فتكون من باب التجريد ، أو : إصابة للطريق الموصل إلى المطلوب ، وأصل التهيئة : إحداث هيئة الشيء . { فَضَرَبْنَا على آذانهم } أي : أَنَمْنَاهُمْ ، شبَّه الإنامة الثقيلة المانعة من وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها ، وتخصيص الآذان بالذكر مع اشتراك سائر المشاعر لها في الحَجْب عن الشعور عند النوم لأنها تحتاج إلى الحجب أكثر ، إذ هي الطريقة للتيقظ غالبًا . والفاء في { فضربنا } : مثلها في قوله : { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } [ الأنبياء : 90 ] ، بعد قوله : { إِذ نادى } ، فإنَّ الضرب المذكور ، وما ترتب عليه من التقليب ذات اليمين وذات الشمال ، والبعث ، وغير ذلك ، إيتاءُ رحمةٍ لَدُنِّيَّةٍ خفيةٍ عن أبصار المستمسكين بالأسباب العادية استجابة لدعوتهم ، أي : فاستجبنا لهم وأَنَمْناهم ، { في الكهف سنينَ عددًا } أي : ذوات عدد ، أو تُعَدُّ عددًا ، أو معدودة ، ووصْف السنين بذلك : إمَّا للتكثير ، وهو الأنسب بكمال القدرة ، أو التقليل ، وهو الأليق بمقام إنكار كون القصة عجبًا من سائر الآيات العجيبة فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده تعالى . { ثم بعثناهم } أيقظناهم من تلك النومة الشبيهة بالموت ، { لنعْلَمَ } علم مشاهدة ، أي : ليتعلق علمنا تعلقًا حاليًّا كتعلُّقه أولاً تعلقًا استقباليًّا ، { أيُّ الحزبين } : الفريقين المختلفين في مدة لبثهم المذكور في قوله : { قالوا لبثنا يومًا … } الخ ، { أحْصَى } أي : أضبط { لِما لَبِثُوا } : للبثهم ، { أمدًا } أي : غاية ، فيظهر بذلك عجزهم ، ويُفوضوا ذلك إلى العليم الخبير ، ويتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم ، من حفظ أبدانهم وأديانهم ، فيزدادوا يقينًا بكمال قدرته وعلمه ، وليتيقنوا به أمر البعث ، ويكون ذلك لطفًا بمؤمني زمانهم ، وآية بينة لكفارهم ، وعبرةً لمن يأتي بعدهم ، فهذه حِكَمُ إيقاظهم بعد نومهم ، والله عليم حكيم . الإشارة : عادته تعالى فيمن انقطع إليه بكليته ، وآوى إلى كهف رعايته ، وآيس من رفق مخلوقاته ، أن يكلأه بعين عنايته ، ويرعاه بحفظ رعايته ، ويُغَيِّبَ سمع قلبه عن صوت الأكدار ، ويصون عين بصيرته عن رؤية الأغيار ، حين انحاشوا إلى حِمى رحمته المانع ، وتظللوا تحت ظل رشده الواسع . وبالله التوفيق . ثمَّ تمم قصتهم فقال : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم … }