Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 12-15)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { صبيًا } : حال من مفعول { آتيناه } ، و { حنانًا } و { زكاة } : عطف على { الحُكْم } . و { من لدنا } : متعلق بمحذوف ، صفة له مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية ، أي : وآتيناه الحكم وتحنُّنًا عظيمًا واقعًا من جنابنا ، أو شفقة في قلبه ورحمة على أبويه وغيرهما . قال ابن عباس : ما أدري ما حنانًا إلا أن يكون تعطف رحمة الله على عباده . ومنه قولهم : " حَنَانَيْكَ " ، مثل سعديْك ، وأصله : من حنين الناقة على ولدها ، و { برًّا } : عطف على { تقيًّا } . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا يحيى } أي : قلنا يا يحيى ، وهذا استئناف طُوي قبله جمل كثيرة ، مما يدل على ولادته ونشأته ، حتى أوحي إليه ، ثم قال له : { يا يحيى خُذِ الكتابَ } أي : التوراة ، وقيل : كتاب خُص به ، فدلت الآية على رسالته . وفي تفسير ابن عرفة : أن يحيى رسول كعيسى . هـ . وقوله : { بقوةٍ } أي : بجد واجتهاد ، وقيل : بالعمل به ، { وآتيناه الحُكم صبيًا } ، قال ابن عباس : الحكم هنا النبوة ، استنبأهُ وهو ابن ثلاث سنين ، قلت : كون الصبي نبيًا جائز عقلاً ، واقع عند الجمهور ، وأما بعثه رسولاً فجائز عقلاً ، وظاهر كلام الفخر هنا أنه واقع ، وأن يحيى وعيسى بُعثا صغيرين . وقال ابن مرزوق في شرح البخاري ما نصه : الأعم : بعث الأنبياء بعد الأربعين لأنه بلوغ الأشد ، وقيل : أرسل يحيى وعيسى - عليهما السلام - صبيين . وقال ابن العربي : يجوز ، ولم يقع . وقول عيسى عليه السلام : إني عبد الله إخبار عما وجب في المستقبل ، لا عما حصل . واستُشْكِلَ جواز بعث الصبي بأنه تكليف ، وشرطُه : البلوغُ ، إن كانت الشرائع فيه سواء . انظر المحشي الفاسي . قلت : والذي يظهر أن يحيى وعيسى - عليهما السلام - تنبئا صغيرين ، وأرسلا بعد البلوغ . والله تعالى أعلم . وقيل : الحكم : الحكمة وفهم التوراة والفقه في الدين . رُوي أنه دعاه الصبيان إلى اللعب ، فقال : ما لِلَعِبٍ خُلقت . { و } آتيناه { حنانًا } أي : تحنُّنًا عظيمًا { من لَدُنَّا } : من جناب قدسنا ، أو تحننًا من الناس عليه . قال عوف : الحنان المحبّب ، { وزكاة } : طهارة من العيوب والذنوب ، أو صدقة تصدقنا به على أبويه ، أو : وفّقناه للتصدق على الناس . { وكان تقيًّا } مطيعًا لله ، متجنبًا للمعاصي ، { وبرًا بوالديه } : لطيفًا بهما محسنًا إليهما ، { ولم يكن جبارًا عصيًّا } متكبرًا عاقًا ، فالجبّار : هو المتكبر ، لأنه يجبر الناس على أخلاقه . وقيل : من لا يقبل النصيحة ، أو عاصيًا الله تعالى . { وسلامٌ عليه } أي : سلامة من الله تعالى عليه ، { يوم وُلِدَ } من أن يناله الشيطان بما ينال بني آدم ، { ويومَ يموتُ } من عذاب القبر ، { ويوم يُبعث حيَّا } من هول القيامة وعذاب النار . رُوِيَ أن يحيى وعيسى - عليهما السلام - التقيا ، فقال له يحيى : استغفر لي ، فأنت خير مني ، فقال له عيسى : أنت خير مني ، أنا سلمت على نفسي وأنت سلم الله عليك . الإشارة : أخذ الكتاب بالقوة - وهو الجد والاجتهاد في قراءته - هو أن يكون متجردًا لتلاوته ، منصرف الهمة إليه عن غيره ، فلا يصدق على العبد أن يأخذ كتاب ربه بقوة ، حتى يكون هكذا عند تلاوته . قال الورتجبي : { خُذ الكتابَ بقوة } أي : خذ كتابنا بنا لا بك ، والكتاب كلام الحق الأزلي ، أي : خذ الكتاب الأزلي بالقوة الأزلية . هـ . ومعناه أن يكون التالي فانيًا عن نفسه ، متكلمًا بربه ، ويسمعه من ربه ، فهذا حال المقربين . والله تعالى أعلم . ثمَّ ذكر قصة مريم عليها السلام