Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 73-74)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { هم أحسن } : صفة لِكَمْ . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وإِذا تُتلى عليهم } على الكفرة { آياتُنا } الناعية عليهم فظاعة حالهم ووخامة مآلهم ، والناطقة بحسن عاقبة المؤمنين ، حال كونها { بيناتٍ } : واضحات في نفسها ، أو بينات الإعجاز ، أو بينات المعاني ، { قال الذين كفروا } أي : قالوا ، ووضع الموصول موضع الضمير للتنبيه على أنهم قالوا ما قالوا كافرين بما يُتلى عليهم رادين له ، أو : قال الذين تمرَّدوا في الكفر والعتو وهم النضر بن الحارث وأتباعه ، قالوا { للذين آمنوا } ، اللام للتبليغ ، أي : قالوا مبلغين الكلام لهم ، وقيل : لام الأجل ، كقوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] أي : لأجلهم وفي حقهم ، والأول أولى لأن الكلام هنا كان معهم بدليل قوله : { أيُّ الفريقين } أي : المؤمنين والكفار ، { خيرٌ } كأنهم قالوا : أينا { خيرٌ مقامًا } أي : مكانًا : نحن أو أنتم ، وقرئ بالضم ، أي : موضع إقامة ومنزل ، { وأحسنُ نَدِيًّا } مجلسًا ومجتمعًا ، أو : أينا خير منزلاً ومسكنًا ، وأحسن مجلسًا ؟ يُروَى أنهم كانوا يُرجلون شعورهم ويدهنونها ، ويتزينون بالزينة الفاخرة ، ثم يقولون ذلك لفقراء المؤمنين ، يريدون بذلك أن خيريتهم ، حالاً ، وأحسنيتهم ، مقالاً ، مما لا يقبل الإنكار ، وأنَّ ذلك لكرامتهم على الله سبحانه وزلفاهم عنده ، وأنَّ الحال التي عليها المؤمنون ، من الضرورة والفاقة ورَثَاثَةِ الحال لقصور حظهم عند الله . وما هذا القياس العقيم والرأي السقيم إلا لكونهم جَهلةً لا يعلمون إلا ظاهرًا من الحياة الدنيا ، وذلك مبلغهم من العلم ، فردَّ عليهم بقوله : { وكم أهلكنا قبلهم من قَرْنٍ هم أحسنُ أثاثًا } : مالاً ومتاعًا { ورِءْيًا } منظرًا ، أي : كثيرًا من القرون التي كانوا أفضل منهم ، فيما يفتخرون به من الحظوظ الدنيوية ، كعاد وثمود وأضرابهم العاتية قبل هؤلاء ، أهلكناهم بفنون العذاب ، ولو كان ما آتيناهم لكرامتهم علينا ، لما فعلنا بهم ما فعلنا ، وفيه من التهديد والوعيد ما لا يخفى ، كأنه قيل : فلينتظر هؤلاء أيضًا مثل ذلك . و { أثاثًا } : تمييز ، وهو متاع البيت ، أو ما جد منه ، و { رِءْيًا } : كذلك ، فِعْل من الرؤية بمعنى المنظر ، قال ابن عزيز : " رءيا " بهمزة ساكنة : ما رأيت عليه من شارة حسنة وهيئة ، وبغير همز : يجوز أن يكون على معنى الأول ، ويجوز أن يكون من الريّ . أي : منظرهم مُرتو من النعمة . وَزِيًّا ، بالزاي المعجمة ، في قراءة ابن عباس ، يعني هيئة ومنظرًا . هـ . الإشارة : رفعة القدر والمقام لا تكون بالتظاهر بمفاخر اللباس والطعام ، ولا بحسن الهيئة ومنظر الأجسام ، وإنما يكون باحتظاء القلوب بمعرفة الله ، وتمكين اليقين من القلوب ، واطلاعها على أسرار الغيوب ، مع القيام بوظائف العبودية ، أدبًا مع عظمة الربوبية ، ونسيان النفوس والاشتغال عنها بالعكوف في حضرة القدوس ، فأهل القلوب لا يعبأُون بظواهر الأشباح ، وإنما يعتنون بحياة الأرواح . @ كمل حقيقتك التي لم تَكْمُلِ والجسم دعه في الحضيض الأسفل @@ فقوت قلوبهم التواجد والأذكار ، وحياة أرواحهم العلوم والأسرار ، وأنشدوا : @ بالقوت إحياءُ الجسوم وذكره تحيا به الألباب والأرواح هو عيشهم ووجودهم وحياتهم حقًا ورَوْح نفوسهم والرَّاح @@ وأما من عَظُمَ جهلُه ، وكَثُفَ حجابه ، فإنما ينظر إلى بهجة الظواهر وتزيينها بأنواع المفاخر ، أو إلى من عظم جاهه وكثرت أتباعه ، وهذه نزعة جاهلية ، حيث قالوا حين يُتلى عليهم الوعظ والتذكير : أي الفريقين خير مقامًا وأحسن نديًا ، { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [ الرُّوم : 7 ] . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر الحق تعالى مرد الفريقيين