Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 128-129)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : قال ابن عباس رضي الله عنه : لما فرغ إبراهيم وإسماعيل من بناء البيت ، دَعَوَا بهذا الدعاء ، فقال : { ربنا واجعلنا مسلمين لك } أي : منقادين لأوامرك الظاهرة ولأحكامك القهرية . واجعل { من ذريتنا أمة } أي : جماعة { مسلمة لك } ؟ عَلِمَا - بوحي أو إلهام - أنه يكون من ذريتهما من يكفر بالله ، { وأرنا } أي : عرفنا وعلمنا { مناسكنا } في الحج . والنُّسُك في الأصل : غاية العبادة ، وشاع في الحج لما فيه من المشاق والكلفة ، والبعد عن العادة . { وتب علينا } مما لا يليق بحالنا ، فسحناتُ الأبرار سيئات المقربين ، فلكل مقام ما ينقصه وإن كان كاملاً . ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يستغفر في الملجس سبعين مرة . إذ ما من مقام إلا وقبله ما فيه نقص ، فإذا ترقى عنه استغفر منه { إنك أنت التواب الرحيم } أي : كثير القبول والإقبال على التائبين . { ربنا وابعث فيهم } أي : في الذرية { رسولاً منهم } وهو مولانا محمد صلى الله عليه وسلم قال - عليه الصلاة والسلام - : " أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى " ، حال كونه { يتلو عليهم } أي : يبلغهم { آياتك } الدالة على توحيدك وصدق رسالتك ، { ويعلمهم الكتاب } أي : القرآن { والحكمة } أي : الشريعة أو السنة . وقال مالك : هي الفقه في الدين والفهم فيه ، أو نور يضعه في قلب من شاء من عباده ، { ويزكيهم } أي : يطهرهم من لوث المعاصي وكدر الحس ، { إنك أنت العزيز } الغالب في حكمه وسلطانه ، { الحكيم } في صنعه وإتقانه ، والله تعالى أعلم . الإشارة : تضمن دعاؤهما عليهما السلام ثلاثة أمور يُطلب التماسها والتحقق بها من كل أحد أولها : الانقياد لله في الظاهر والباطن ، بامتثال أمره والاستسلام لقهره ، حتى يسري ذلك في الأصل إلى فرعه ، وهي غاية المنّة ، قال في الحكم : " متى جعلك في الظاهر ممتثلاً لأمره ، وفي الباطن مستسلماً لقهره ، فقد أعظم منته عليك " . الثاني : معرفته الطريق ، والسلوك على جادتها ، كارتكاب مشاق الطاعات ، ومعانقة مخالفة الهوى والشهوات ، ورؤية التقصير في ذلك ، وطلب التوبة مما هنالك ، وهذه هي مناسك حج القلوب ، والطريق الموصل إلى عَرَفَةِ حَضْرَةِ الغيوب ، والثالث : الظفر بالداعي إلى الله والدال عليه ، وهو المعلم الأكبر ، صحبته تطهر من العيوب ، ورؤيته تغني القلوب ، وتدخلها إلى حضرة الغيوب ، ظاهره قائم بوظائف الحكمة ، وباطنه مشاهد لتصاريف القدرة ، وهذا هو القائم بالتربية النبوية . وبالله التوفيق .