Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 130-132)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { من } : استفهامية إنكارية ، فيها معنى النفي ، مبتدأ ، و { يرغب } وما بعده خبر ، و { إلا } إبطال لنفيها الذي تضمنته ، و { مَن سَفِه } بدل من ضمير { يرغب } على المختار ، و { نفسه } مفعول { سَفِه } لتضمنه معنى جهل أو أهلك ، قاله الزجاج ، أو على التمييز قاله الفراء لأن الضمير فيه معنى الشيوع الذي في { مَن } فلم يكسب التعريف ، أو على إسقاط الجارّ وإيصال الفعل إليه ، كقولهم : ضرب فلان الظهر والبطن . و { إذ } معمول لاصطفيناه ، وأوصى ووصى : لغتان ، إلا أن وصى فيه معنى التكثير . وضمير { بها } يعود على كلمة { أسلمت } ، أو الملة ، و { يعقوب } معطوف على { إبراهيم } ، و { بني } محكي بحال محذوفة ، أي : قائلين يا بني ، أو مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي : قال يا بني … الخ ، فيوقف على { بينه } . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ومَن } هذا الذي { يرغب عن ملة إبراهيم } الواضحة { إلا } من جهل قدر { نفسه } وبسخها حقها ؟ أو إلا من خف رأيه وسفهت نفسه ؟ وكيف يرغب عاقل عنها وقد اخترناه أماماً { في الدنيا } يقتدي به أهل الظاهر والباطن ؟ { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } لحضرتنا ، والساكنين في جوارنا . وإنما اخترناه لذلك لأنه حين { قال له ربه } : استسلم لحكمنا ، وانقد لأمرنا ، قال سريعاً : { أسلمت } وجهي { لرب العالمين } ، وانقدْتُ بكُلّيتي إليه . { ووصى } بهذه الكلمة أو الملة { إبراهيم } ، عند موته ، { بنيه } ، وكانوا أربعة : إسماعيل وإسحاق ومدين ومدان . وكذلك حفيده { يعقوب } أوصى بهذه الكلمة بنيه . وكانوا اثني عشر ، على ما يأتي في الأسباط ، قائلين في تلك الوصية : { يا بني إن الله } اختار لكم { الدين } الحنيف الواضح المنيف ، فتمسكوا به ما عِشْتُّم ولا تموتُن { إلا وأنتم مسلمون } متمسكون به . الإشارة : ملة أبينا إبراهيم عليه السلام هي رفع الهمة عن الخلق ، وإفراد الوجهة للملك الحق ، ورفض الوسائط والأسباب ، والتعلق بربّ الأرباب ، وفي ذلك يقول الشاعر ، وهو الششتري : @ فَرَفْضُ السّويَ فَرْضٌ علينا لأنَّنا بملةِ محْوِ الشّركِ والشَّكِّ قدْ دِنَّا @@ ومِنْ ملته أيضاً : تركُ التدبير والاختيار ، والاستسلام لأحكام الواحد القهار ، فمن تمسك بهذه الخصال على التمام . ووصى بها نم لقيه من الأنام ، جعله الله في الدنيا إماماً يقتدي بأقواله ويهتدي بأنواره ، وإنه في الآخرة لمن الصالحين المقربين مع النبيين والمرسلين ، وأما من رَغِبَ عن هذه الملة الحنيفة فقد خسر الدنيا والآخرة . نسأل الله الحفظ بمنّه وكرمه .