Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 35-37)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { رغداً } : صفة لمصدر محذوف ، أي : أكلا رغداً واسعاً ، و { تكونا } : منصوب ، جواب الأمر ، أو معطوف على { تقرباً } ، و { أزلهما } : أوقعهما في الزلل بسبب الأكل ، أو أذهبهما عن الجنة ، ويدل عليه قراءة حمزة : " فأزالهما " وجملة { بعضكم لبعض عدو } : حالية ، أي : متعادين . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وَقُلْنَا يَا آدَم } حين سجدت له الملائكة ودخل الجنة : { اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ } حواء { الجنة } ، وكانت خلقت من ضلعه الأيسر ، { وَكُلا } من ثمار الجنة { حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجِرَةَ } : العنب أو التين أو الحنطة { فَتَكُونَا } إن أكلتما منها { مِنَ الظَّالِمِينَ } لنفسيكما . فدخل إبليس خفية أو في فم الحية ، فتكلم مع آدم عليه السلام فقال له آدمُ عليه السلام : ما أحسن هذه الحالة لو كان الخلود . فحفظها إبليس ، ووجد فيها مدخلاً من جهة الطمع ، فقال له : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى } [ طه : 120 ] فدلّه على أكل الشجرة ، وقال : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا } [ الأعرَاف : 20 ] عنها { إِلاَّ } [ الأعراف : 20 ] كراهية { أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [ الأعراف : 20 ، 21 ] . وأكلت حواء أولاً ، ثم قالت له : قد أكلتُ ولم يضرني ، ثم أكل آدم عليه السلام من جنس الشجرة ، لا من عينها ، متأوّلاً ، فطار التاج واللباس ، وأخرجهما { مما كانا فيه } من رغد العيش والعناء ، وأهبطهما إلى الأرض ، للتعب والعناء ، ليكون خليفة على ما سبق به القضاء . فقال لهم الحقّ تعالى : { اهْبطُوا } آدم وحواء وإبليس والحية ، { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ } استقرار وتمتع { إلَى حِينٍ } وفاتكم ، فتقدمون علي فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، { فَتَلَقَّى } أي أخذ { آدم من ربه كلمات } وهي : { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مَنَ الْخَاسِرِينَ } [ الأعرَاف : 23 ، { فتاب } الحق تعالى عليه واجتباه لحضرته ، فإنه توّاب كثير التوبة على عباده ، رحيم بهم ، أرحم من أبيهم وأمهم ، اللهم ارحمنا رحمة تعصمنا بها عن رؤية السّوي ، إنك على كل شيء قدير . الإشارة : يقول الحقّ جلّ جلاله للروح ، إذا كمل تهذيبها ، وتمت تريبتُها : اسكن أنت وبشريتك التي تزوجتها - قال تعالى : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } [ التّكوير : 7 ] - جنة المعارف ، وَكُلا من ثمار أذوابها وأنهار علومها ، وتبوَّءًا من قصور ترقياتها ، أكلاً واسعاً ما دمتما متحليين بالأدب ، ولا تقربا شجرة المعصية وسوء الأدب { فتكونا من الظالمين } ، فلما سكنت جنة الخلود ، وشَرهَتْ إلى الخلود ، أهبطها الله إلى أرض العبودية ، وردها إلى البقاء لتستحق الخلافة ، وتقوم بحقوق الربوبية ، بسبب ما ارتكبه من المعصية ، وهي الشَّرهُ إلى دوام الحرية ، " أكْرِمْ بها معصيةً أورثت الخلافة ! " ، فكل ما ينزل بالروح إلى قهرية العبودية ، فهو سبب إلى الترقي لشهود نور الربوبية ، وربما قضي عليك بالذنب فكان سبب الوصول ، فلام أراد الحق تعالى أن ينزلها إلى أرض العبودية بالسلوك بعد الجذب ، قال لها ولمن يحاربها من الشيطان والهوى والدنيا وسائر الحظوظ : اهبطوا بعضكم لبعض عدو ، ولكم - أيها العارفون بعد جهاد أعدائكم - في أرض العبودية ، استقرار وتمتعٌ بتجليات أنوار الربوبية ، إلى حين الملاقاة الحقيقية . فتلقت الروح من ربها كلمات الإنابة ، وهبَّ عليها ، نسيم الهداية ، بما سبق لها من عين العناية ، فتاب عليها ، وقرَّبها إلى حضرة الشهود ، ومعاينة طلعة الملك الودود ، إنه تواب رحيم جواد كريم .