Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 57-57)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { الغّمّامّ } : السحاب الرقيق ، و { المَنِّ } هنا : العسل ، و { السَّلْوى } قيل : اللحم ، والأصح : أنه اسم طائر كالسماني . يقول الحقَ جلّ جلاله : في تذكير بني إسرائيل ما أنعم به عليهم في حال التيه : { و } قد { ظَلَّلْنا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ } يقيكم من الحر في أيام التيه ، { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ } وهو عسل كان ينزل على الشجر من الفجر إلى الطلوع ، فيغرفون منه ما شاءوا ، { و } أنزلنا عليكم { السلوى } ، وهو طير كانت تحشره الجنوب ، فينزل عليهم ، فياخذون منه ما شاءوا ، ولا يمتنع منهم ، فيذبحون ويأكلون لحماً طريّاً ، فقلنا لهم : { كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا } بمخالفتهم أمْرَ نبيهم وسوء أدبهم معه ، حيث قالوا : { فَاذْهَبْ أَنَتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلآ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المَائدة : 24 ] ، فعاقبهم بالتيه أربعين سنة ، يتيهون في مقدار خمسة فراسخ أو ستة . { وَلَكِن } ظلموا أنفسهم حيث أوقعوها في البلاء والمحنة . رُوِيَ أنهم لما أُمروا بجهاد الجبارين ، جبنوا وقالوا تلك المقالة ، فدعا عليهم سيدنا موسى عليه السلم فوقعوا في التيه بين مصر والشام ، فكانوا يمشون النهار فيبيتون حيث أصبحوا ، ويمشون الليل فيصبحون حيث أمسوا ، فقالوا لموسى عليه السلام : من لنا بالطعام ؟ فأنزل الله عليهم المنّ والسلوى ، قالوا : كيف بحر الشمس ؟ فظلل عليهم الغمام ، قالوا : بم نستصبح بالليل ؟ فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم ، قالوا : من لنا بالماء ؟ فأمر موسى عليه السلام بضرب الحجر ، فقالوا : من لنا باللباس ؟ فأعطوا ألا يَبْلى لهم ثوب ، ولا يَخْلَق ، ولا يَدْرن ، وأن ينمو بنمو صاحبه ، وقيل : كساهم مثل الظفر ، { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } [ البَقَرَة : 284 ] . الإشارة : لما انفصلت الأرواح من عالم الجبروت ، كانت على الطهارة الأصلية ، والنزاهة الأزلية ، عالمة بأسرار الربوبية وعظمة الألوهية ، لكن لم يكن لها إلا جنة الحرية ، دون جنة العبودية ، فلما أراد الحق تعالى أن يمتعها بجنتين عن يمين وشمال ، أمرها بالنزول إلى أرض العبودية ، في ظلل من غمام البشرية ، فمنَّ عليها بحلاوة المشاهدات وسلوان المناجات ، وقال لها : { كلوا منطيبات ما رزقناكم } من طرائف العلوم ، وفواكه الفهوم ، هذا لمن اعتنى بروحه فاستكمل فضيلتها ، وخالف هواها ، فنفذت من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح ، فلم تنحجب بسحب الآثار إلى نفوذ شهود الأنوار ، بل غابت عن شهود الآثار بشهود الأنوار . أما من حجبت عن شهود الأنوار بالوقوف مع الآثار ، ووقعت في شبكة الحظوظ والشهوات ، وربطت بعقال الأسباب والعادات ، فقد ظلمت نفسها ، وبخست حقها من مشاهدة مولاها ، حتى استعت عليها دائرة الحس ، ولم تنفذ إلى المشاهدة والأنس . وأنشدوا :