Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 6-7)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { سواء } خبر مقدم ، و { أنذرتهم } مبتدأ لسبك همزة التسوية ، أي : الإنذار وعدمه سواء في حق هؤلاء الكفرة ، والجملة خبر إن ، و { غشاوة } مبتدأ ، والجار قبله خبره ، والغشاوة : ما يغشى الشيء ويغطيه ، كنى به عن مانع قهرهم عن الإيمان . يقول الحقّ جلّ جلاله : يا محمد { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } بما أنزل إليك جهراً ، وسبقت لهم مني الشقاوة سرّاً ، لا ينفع فيهم الوعظ والإنذار ، ولا البشارة والتذكار ، فإنذارك وعدمه في حقهم سواء ، لما سبق لهم مني الطرد والشقاء ، فالتذكير في حقهم عناء ، والغيبة عن أحوالهم راحة وهناء ، لأني ختمتُ على قلوبهم بطابع الكفران ، فلا يهتدون إلى إسلام ولا إيمان ، ومنعت أسماعهم أن تصغي إلى الوعظ والتذكير ، فلا ينجع فيهم تخويف ولا تحذير ، وغشيت أبصارهم بظلمة الحجاب فلا يبصرون الحق والصواب ، قد أعددتُهم لعذابي ونقمتي ، وطردتهم عن ساحة رحمتي ونعمتي . وإنما أمرتك بإنذارهم لإقامة الحجة عليهم ، وإني وإن حكمت عليهم أنهم من أهل مخالفتي وعنادي فإني لا أظلم أحداً من خلقي وعبادي ، { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } [ الأنعَام : 149 ] . فما ظلمتُهم لأني بعثتُ الرسلَ مبشرين ومنذرين ، ولكن ظلموا أنفسهم فكانوا هم الظالمين ، فحكمتي اقتضيت الإنذار ، وقدرتي اقتضت القهر والإجبار ، فالواجب عليك أيها العبد أن تكون لك عينان : عين تنظر لحكمتي وشريعتي فتتأدب ، وعينٌ تنظر لقدرتي وحقيقتي فتُسلم ، وتكون بي الأمن والرّهْب ، فلا تأمَنْ مَكْرِي وإن أمَّنتُك ، ولا تيأس من حلمي وإن أبعدتك ، فعلمي لا يحيط به محيط ، إلا من هو بكل شيء محيط . الإشارة : إن الذين أنكروا وجود الخصوصية ، جحدوا أهل مشاهدة الربوبية من أهل التربية النبوية ، لا ينفع فيهم الوعظ والتذكير ، بما سبق لهم في علم الملك القدير ، فسواء عليهم أأنذرتهم وبال القطيعة والحجاب ، أم لم تنذرهم لعدم فتح الباب ، قد ختم الله على قلوبهم بالعوائد والشهوات ، أو حلاوة الزهد والطاعات ، أو تحرير المسائل والمشكلات ، وعلى سمع قلوبهم بالخواطر والغفلات ، وجعل على أبصارهم غشاوة الحجاب ، فلا يبصرون إلا المحسوسات ، غائبون عن أسرار المعاني وأنوار التجليات ، بخلاف قلوب العارفين ، فإنها ترى من أسرار المعاني ما لا يُرى للناظرين ، وفي ذلك يقول الشاعر : @ قلوبُ العَارفِينَ لَهَا عُيُونٌ تَرى ما لا يُرى للناظرينا وألسنةٌ بأسْرارٍ تُنَاجِي تغيبُ عَنَ الكِرَام الكَاتِبِينَا وأجنحةٌ تَطِيرُ بغير ريشٍ إلى ملكُوتٍ ربِّ العَالَمِينَا @@ فسبحان من حجب العالمين بصلاحهم عن مصلحهم ، وحجب العلماء بعلمهم عن معلومهم ، واختصّ قوماً بنفوذ عزائمهم إلى مشاهدة ذات محبوبهم ، فهم في رياض ملكوته يتنزهون ، وفي بحار جبروته يسبحون ، { لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ } [ الصَّافات : 61 ] . ولما ذكر الحق - جلّ جلاله - من أعلن بالإنكار ، ذكر من أسَرَّ بالجحود وأظهر الإقرار .