Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 96-96)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { ومن الذين أشركوا } : على حذف مضاف ، أي : وأحرص من الذين أشركوا ، فيوقف عليه ، و { لو يعمر } مصدرية ، أي : يود أحدهم تعمير ألف سنة . و { أن يعمر } فاعل لمزحزحه ، أي : وما هو بمزحزحه من العذاب تعميره . يقول الحقّ جلَ جلاله : ولتجدن يا محمد اليهود { أحرص الناس } على البقاء في هذه الدار الدنية ، فكيف يزعمون أنهم أولى الناس بالجنة ، ولتجدنهم أيضاً أحرص من المشركين على البقاء ، مع كونهم لا يقرون بالجزاء ، فدلَّ ذلك على أنهم صائرون إلى النار ، فلذلك كرهوا اللقاء وحرصوا على البقاء ، يتمنى أحدهم لو يعيش { ألف سنة } وليس ذلك { بمزحزحه } أي : مبعده من العذاب ، بل زيادة له في العقاب { والله بصير بما يعملون } : تهديد وتخويف . الإشارة : يفهم من سر الخطاب أن كل من قصر أمله ، وحسن عمله ، وطيب نفسه للقاء الحبيب ، واشتغل في هذه اللحظة القصيرة بما يقربه من القريب ، كان قربه من الله بقدر محبته للقائه ، وكل من طوّل أمله ، وحرص على البقاء في هذه الدار الفانية ، كان بُعده من الله بقدر محبته للبقاء ، إلا من أحب البقاء لزيادة الأعمال ، أو الترقي في المقامات والأحوال ، فلا بأس به ، ويفهم منه أيضاً أن مَن اشتد حرصه على الحياة الفانية كانت فيه نزعة يهودية . واعلم أن الناس ، في طول الأمل وقصره ، على قسمين : منهم من طوّل في أمله فازداد في كسله ، ودخله الوهن في عمله ، وآخر قد قصر أملُه وجعل التقوى بضاعته ، والعبادة صناعته ، ولم يتجاوز بأمله ساعته ، ومثل هذا قد رفع التوفيق عليه لواءه ، وألبسه رداءه ، وأعطاه جماله وبهاءه ، فانظر رحمك الله أيّ الرجلين تريد أن تكون ، وأي العملين تريد أن تعمل ، وبأي الرداءين أن تشتمل ؟ فلست تلبس هناك إلا ما تلبس هنا . وبالله التوفيق .