Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 97-98)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { من } شرطية وجوابها محذوف ، أي : فليمت غيظاً ، أو { فإنه نزله } على معنى : مَن عادى منهم جبريل فقد خلع ريقة الإنصاف ، أو كفر بما معه من الكتاب لأنه نزل بكتاب مصدقاً لما قبله من الكتب ، وجبريل فيه ثماني لغات ، أربع قرئ بهن . وهي : جَبْرَئِيل كسلسبيل . وجَبْرَئِل كجحْمرش ، وجَبْريل - بفتح الجيم - بلا همز ، وجِبْرِيل بكسرها ، وأربع شواذ : جِبْرَالُ ، وجَبْرَائِيل ، وجَبْرِائل ، وجَبْرين بالنون ، ومعناه : عبد الله . وفي ميكائيل أربع لغات : مكيائيل ممدود ، وميكائل مقصور ، وميكئل مهموز مقصور ، وميكال على وزن ميعاد . يقول الحقّ جلّ جلاله : في الرد على اليهود ، كابن صُوريا وغيره ، حيث قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم : من الذي يأتيك بالوحي ؟ فقال : " جبريل " ، فقالوا : ذلك عدونا من الملائكة لأنه ينزل بالشدة والعذاب ، ولو كان ميكائيل لاتبعناك لأنه ينزل بالخصب والسلم ، فقال تعالى : { مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْريلَ } فليمت غيظاً ، فإنه هو الذي نزَّل القرآن { عَلَى قَلْبِكَ بإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } من الكتب ، وهداية { وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } ، فإن كان ينزل بالشدة والعذاب على الكافرين ، فإنه ينزل بالهداية والبشارة على المؤمنين . ومن كان عدواً لجبريل فإنه عدو لله ، إذ هو رسوله للأنبياء ، وصفيه من الملائكة ، وعدو أيضاً لميكائيل فإنه وزيره ، وللرسل أيضاً فإنه سفيرهم ، و { مَن كَانَ عَدُوّاً للّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } فإن الله عدو له . وعطف جبريل وميكائيل من عطف الخاص على العام لزيادة شرفهما ، ووضع الظاهر موضع الضمير في قوله : { عَدُوٌّ لِّلْكَافِرينَ } ولم يقل : لهم ، تسجيلاً عليهم بالكفر ، وبيان أن الله إنما عاداهم لكفرهم ، وأن عداوة الملائكة والرسل كفر ، عصمنا الله من موارد الردى ، آمين . الإشارة : إذا كانت معاداة الملائكة والرسل هي معاداة الله ، فكذلك معاداةُ أوليائه هي معاداة الله أيضاً ، ولذلك قال تعالى : " مَنْ عَادَى لِي وَليّاً فقد آذنني بالحَرْب " فالبعض هو الكل ، ويؤخذ بالمفهوم أن محبة الملائكة والرسل هي محبة الله . وكذلك محبة أولياء الله هي محبة الله ، وكذلك أيضاً محبة عباد الله هي محبة الله ، ومعاداتهم معاداة الله . " الخَلقُ عِيَالُ الله ، وأحبُّ الخَلقِ إلى اللّهِ أنفعهُمْ لِعيَاله " . وكل مَن ادعى أنه يحب الله وفي قلبه عداوة لمسلم فهو كاذب ، وكل مَن ادعى أنه يعرف الله وفي قلبه إنكار على مخلوق فهو في دعواه أيضاً كاذب ، فالواجب على العبد أن يُحب جميع العباد ، من كان طائعاً فظاهر ، ومَن كان عاصياً أحب له التوبة والإنابة ، ومَن كان كافراً أحب له الإسلام والهداية ، ولا يكره من العبد إلا فعله ، ولله دَر القائل : @ ارْحَمْ بُنَيَّ جَميعَ الخلقِ كُلِّهمُ وانْظُرْ إليْهمْ بعين الحِلمِ والشّفَقَهْ وَقَّرْ كَبيرَهُم وارْحَمْ صغِيرَهُمْ وَراع في كُلّ خَلْقٍ مَنْ خَلَقَهْ @@ وبالله التوفيق .