Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 56-59)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { موعدًا } : مصدر ، مفعول أول لـ { اجعل } . و { مكانًا } : مفعول بفعل محذوف ، أي : تعدنا مكانًا سُوى ، لا بموعد ، لأنه وصف ، ويجوز نصبه على إسقاط الخافض ، و { يوم الزينة } : على حذف مضاف ، أي : مكان يوم الزينة ، و { أن يحشر } : عطف على يوم ، أو الزينة . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولقد أريناه } أي : فرعون ، { آياتنا } ، حين قال له : { فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } [ الشُّعَرَاء : 31 - 33 ] ، وعبّر بالجمع ، مع كونهما اثنتين ، باعتبار ما في تضاعيفهما من الخوارق ، التي كل واحدة منها آية . وقد رأى فرعونُ من هاتين الآيتين أمورًا دواهي ، فإنه روى أنه عليه السلام ، لما ألقى العَصا ، انقلبت ثعبانًا أشعر ، فاغرًا فاه ، بين لَحْيَيْهِ ثمانون ذراعًا ، وضع لحيه الأسفل على الأرض ، والأعلى على سور القصر ، ثم توجه نحو فرعون ، فهرب وأحدث ، وانهزم الناس مزدحمين ، فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا من قومه ، فصاح فرعون : يا موسى أُنشدك الذي أرسلك إلا أخذته ، فأخذه ، فعاد عصًا . ورُوي أنها ، لما انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل ، ثم انحطت مقبلة نحو فرعون ، وجعلت تقول : يا موسى مُرني بما شئت ، ويقول فرعون : أنشدك … الخ . ونزع يده من جيبه ، فإذا هي بيضاء بياضًا نورانيًا خارجًا عن العادة . ففي تضاعيف كُلٍّ من الآيتين آيات جمة ، لكنها لما كانت غير مذكورة بالصراحة ، أكدت بقوله تعالى : { كلَّها } ، كأنه قيل : أريناه آياتنا بجميع مستتبعاتها وتفاصيلها ، قصدًا إلى بيان أنه لم يبق له في ذلك عذر . وقيل : أريناه آياتنا التسع ، وهو بعيد لأنها إنما ظهرت على يده عليه السلام بعد ما غلبت السحرة على مَهَل ، في نحو من عشرين سنة ، والكلام هنا قبل المعارضة ، اللهم إلا أن يكون الحق تعالى أخبرنا أنه أراه الآيات التسع كلها ، فأبى عن الإيمان ، ثم رجع إلى إتمام القصة . وأبعد منه : من عَدّ في الآيات ما جُعِل لإهلاكهم ، لا لإرشادهم إلى الإيمان من فلق البحر ، وما ظهر بعد مهلكه من الآيات الظاهرة لبني إسرائيل من نتق الجبل والحجر ، وغير ذلك ، وكذلك من عَدّ منها الآيات الظاهرة على يد الأنبياء - عليهم السلام - حيث حكاها موسى عليه السلام لفرعون ، بناء على أن حكايته إياها له في حكم إظهارها بين يديه لاستحالة الكذب عليه ، فإنَّ حكايته إياها لفرعون مما لم يجر ذكره هنا ، فكل هذا بعيد من سياق النظم الكريم . قال تعالى : { فَكَذَّبَ } فرعونُ موسى ، { وأَبَى } الإيمان والطاعة ، مع ما شاهد على يده من الشواهد الناطقة بصدقه . جحودًا وعنادًا لعتوه واستكباره ، وقيل : كذَّب بالآيات جميعًا ، وأبَى أن يقبل شيئًا منها . { قال أجئتنا لتُخْرِجَنا من أرضنا بسحرك يا موسى } ، هذا استئناف مُبين لكيفية تكذيبه وإبائه . والمجيء إما على حقيقته ، أو بمعنى الإقبال على الأمر والتصدي له ، أي : أجئتنا من مكانك الذي كنتَ فيه ترعى الغنم لتُخرجنا من أرضنا ؟ أو : أقبلت إلينا لتُخرجنا من مصر بما أظهرت لنا من السحر ، فإن ذلك مما لا يصدر عن عاقل لكونه من باب محاولة المحال ، وإنما قاله تحريضًا لقومه على مقت موسى والبعد عنه ، بإظهار أن مراده عليه السلام إخراج القبط من وطنهم ، وحيازة أموالهم ، وإهلاكهم بالكلية ، حتى لا يميل أحد إليه ، { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } [ يوسف : 21 ] . وسمى ما أظهره عليه السلام من المعجزة الباهرة سحرًا ، ثم ادعى أنه يعارضه ، حيث قال : { فَلنَأْتينك بسحرٍ مثله } أي : وإذا كان الأمر كذلك ، فوالله لنأتينك بسحر مثل سحرك ، { فاجعلْ بيننا وبينك موعدًا } أي : وعدًا { لا نُخلفه } أي : لا نخلف ذلك الوعد ، ولا نجاوزه { نحنُ ولا أنت } ، بل نجتمع فيه وقت ذلك الموعد ، وإنما فوض اللعينُ أمرَ الوعد إلى موسى عليه السلام للاحتراز عن نسبته إلى ضعف القلب ودخول الرعب إليه ، وإظهار الجلادة ، بإظهار أنه متمكن من تهيئَة أسباب المعارضة ، طال الأمر أو قصر ، كما أن تقديم ضميره على ضمير موسى عليه السلام ، وتوسيط كلمة " النفي " بينهما للإيذان بمسارعته إلى عدم الاختلاف . وقوله تعالى : { مكانًا سُوىً } أي : يكون ذلك الوعد - أي : وعد الاجتماع - في مكان مستوٍ ، تستوي مسافته بيننا وبينك ، عدلاً ، لا ظلم على أحد في الإتيان إليه ، منا ومنك ، وفيه لغتان : ضم السين وكسرها . { قال } لهم موسى عليه السلام : { موعدُكُم يومُ الزينة } أي : مكان الزينة لأن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم ، وهو يوم عيد لهم ، في كل عام يتزينون ويجتمعون فيه ، وقيل : يوم النيروز ، وقيل : يوم عاشوراء ، وقيل : يوم سوق لهم . { وأن يُحشر الناسُ ضحًى } أي : موعدكم يوم الزينة ، وحشرُ الناس ضحى ، أو يوم حشر الناس في وقت الضحى ، يجتمعون نهارًا جهارًا ، أراد عليه السلام أن يكون أبلغ في إظهار الحجة وإدحاض الباطل ، بكونه على رؤوس الأشهاد . والله تعالى أعلم . الإشارة : من سبق له البعد عن الرحمن ، لا ينفع فيه خوارق معجزاتٍ ، ولا قاطع برهان ودليل ، أبعده التكبر والطغيان ، ودفعُ الحق بالباطل . نعوذ بالله من موارد الخذلان . ثمَّ ذكر جمعهم وما كان من شأنهم